تشير أدلة تصنيف الاضطرابات النفسية العالمية، بما فيها تلك الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، إلى أن مصطلحي السادية والمازوخية يندرجان ضمن أنواع الانحرافات الجنسية غير المؤقتة والتي تمتد فترة زمنية ليست بالقصيرة تحتاج معها إلى العلاج النفسي والطبي في آن واحد.
ينطوي المصطلحان على حصول اللذة الجنسية بوجود الألم ومرافقته طوال فترة النشاط الجنسي، بحيث يبدو الأمر وكأن ذلك هو الطريق المناسب لدى الشخص للحصول على متعته الجنسية.
السادية
اشتق لفظ السادية من اسم الماركيز دو ساد (1740ـ1814) الذي كان يعذب ضحاياه بطرائق وحشية لتحقيق أغراض جنسية. ثم أصبح اسمه رمزاً للعنف الجنسي أو القسوة في الجنس، وتعبيراً عن الأشخاص الذين لايشبعون رغبتهم الجنسية إلا بتعذيبهم لشريكهم في الجنس، سواء أكان تعذيباً جسدياً كالضرب والركل والتقييد، أم معنوياً كالإذلال والإهانة.
يهدف السادي من وراء سلوكه العنيف إلى الشعور بالقوة والسيطرة على شريكه، وقد يبالغ في شعوره هذا إلى حد التعذيب والقتل، وقد يكون الشريك متواطئاً معه على إشباع دافعه الجنسي بالتعذيب لكونه مازوخياً، وقد لايكون موافقاً على هذا العنف أصلاً.
يتضايق بعض المصابين بهذا الاضطراب من خيالاتهم السادية التي قد تظهر أثناء الممارسة الجنسية مع أنهم لا يمارسونها. وغالباً ما تشمل خيالاتهم السيطرة الكاملة على الضحية.
إن تأكيد الحالة المرضية للفرد السادي تشترط أن تكون لديه تخيلات جنسية مثيرة، أو رغبات أو ضروب من السلوك الجنسي المتكرر والمركز يشتمل على تصرفات حقيقية غير مصطنعة فترة لا تقل عن ستة أشهر يكون فيها التألم النفسي أو الجسدي من جانب الضحية مثيراً من الناحية الجنسية للشخص المعتدي . كما يشترط أن تسبب هذه التخيلات ضيقاً أو قصوراً في الأداء الاجتماعي أو المهني .
تختلف السادية عن الأشكال الأخرى من مظاهر العدوان الخفيف الذي يحدث عادة بين الطرفين خلال الاتصال الجنسي السوي .حيث نجد في نهاية الخط المتطرف من العنف في السادية الجنسية الأشخاص الذين يحتاجون من الشريك أن يعاني من أجل تحقيق إثارتهم الجنسية، وأن مثل هؤلاء يلجؤون للاغتصاب الوحشي أو يعذبون ضحيتهم حتى الموت أحياناً، وغالباً ما يطلق على هؤلاء اسم مجرمي الشهوة الجنسية.
ينظر إلى سلوك الاغتصاب على أنه سلوك عدواني في جوهره وليس سلوكاً جنسياً، وأن معظم مرتكبي الاغتصاب لا يثارون جنسياً بفعل الاغتصاب بسبب وجود النزوعات السادية الجنسية أساساً .فقد تبيَّن أن السادية تنتشر بين مرتكبي جريمة الاغتصاب،وأن هناك مغتصباً واحداً مقابل أربعة مغتصبين تتزايد لديه الإثارة الجنسية بفعل السلوك أو التخيلات السادية. وتشير بعض الدراسات إلى أن نحو 10% من مرتكبي جريمة الاغتصاب هم ساديون جنسيون، وأن 46% من الساديين ارتكبوا جريمة الاغتصاب.
إن أخطر ما في السادية رغبة السادي في زيادة الألم الذي يوقعه على الضحية مع الوقت، وإذا كان السادي من ذوي الشخصية المضادة للمجتمع، سيُقبِل في الغالب على قتل الشريك أو الضحية. ويبدو أن السادية تظهر لدى الجنسين إلا أنها أكثر شيوعاً بين الذكور، إذ تصل نسبتها بينهم وبين الإناث إلى 20/1. وعادة يبدأ السلوك السادي بالظهور في سن الرشد مع أن الخيالات توجد في الطفولة، على أن مساره يختلف من شخص إلى أخر، فقد يزداد عند بعضهم مع مرور الوقت بينما لايكون كذلك عند بعضهم الآخر.
تفسير السادية
تعددت النظريات المفسرة للسادية وغالباً ما ارتبطت هذه التفسيرات بنظرية التحليل النفسي التي فسرتها تفسيرات عدة منها أن هذا السلوك هو
1ـ دفاع ضد خوف الخصاء، إذ يحاول السادي إخفاء عجزه أو ميوله الأنثوية بإثارة الانفعالات المؤلمة في شريكته لتستجيب له وتشبع رغبته.
2ـ تعبير عن عدوان لاشعوري تجاه الآخرين، يأخذ صورة التحطيم والتدمير .
3ـ تعبير لاشعوري عن رفض الجنس وعدِّه خطيئة ومهانة.
وأما المدرسة السلوكية فتفسره على أساس تعلمي وارتباطي، إذ يتكون السلوك السادي نتيجة خبرات جنسية مبكرة ارتبطت فيها الإثارة الجنسية مع الإيلام والتعذيب الذي يعانيه الشريك أو الضحية.
المازوخية
لفظ مشتق من اسم القصصي النمساوي ليوبولد ساشر مازوخ (1836ـ1895م) الذي كان يمنح شخصياته القصصية اللذة من خلال التعذيب.
تعرف المازوخية بالإسهام المقصود في نشاط يتم فيه إلحاق الأذى الجسدي بالفرد أو تعرضه لما يهدد حياته للحصول على الإثارة الجنسية. إنها أسلوب الفرد المفضل في إثارة دافعه الجنسي بتعرضه المستمر للتحقير والإهانة والضرب أو الربط أو غير ذلك من ألوان السلوك والنشاط التي تتضمن المعاناة والألم. وتعبر هذه الحالة التي تترافق في كثير من الأحيان مع السادية عن انحراف جنسي يحصل فيه الشخص على النشوة الجنسية من خلال المعاناة أو الألم الجسدي بحيث يطلب الشخص من الآخرين تعذيبه وإذلاله لإنجاز أو إشباع رغبته الجنسية. إن ظهور هذه الرغبة ولو مرة واحدة كفيل بأن يصنف هذا الفرد مضطرباً جنسياً وبأنه مازوخي. كما يشترط أن تظهر لفترة لا تقل عن ستة أشهر تخيلات ورغبات وأنماط سلوك فعلية يكون فيها الفرد موضوعاً للتعذيب الجسدي والنفسي مع شعوره باللذة والانزعاج والضيق في آن واحد مع ضعف أدائه الاجتماعي أو المهني .
أما إذا أبدى الفرد مجرد رغبة في أن يكبَّل أو يُغتصَب أو يُضرَب حتى تستثار رغبته الجنسية فليس دليلاً كافياً على انحرافه. فالتخيلات المازوخية دون سلوك مازوخي فعلي واقعي غير كافية للإقرار بأن الفرد مازوخي خصوصاً وأن هذه التخيلات شائعة، في حين أن السلوك المازوخي غير شائع نسبياً.
تتمثل أفعال الفرد المازوخي في الإساءة إلى نفسه وتعذيب ذاته بتحمله القيد والركل والخنق والصفع والجلد والسب الفاحش والطعن بالدبابيس وأي شكل آخر من أشكال الإساءة الجسدية والنفسية. ويظهر هذا النوع من الميل للتعذيب والاضطهاد في بداية الرشد، ويعد الشكل الخطير منه ذاك المتمثل بالنماذج المختلفة من تقييد الذات والخنق الجزئي أو الشنق الجزئي للوصول إلى ذروة المتعة الجنسية مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى الموت صدفة ودون قصد . وينتشر هذا الشكل من المازوخية لدى الرجال أكثر من النساء.
أنواع المازوخية
يمكن التمييز بين أربعة أنواع أساسية من المازوخية هي:
1ـ الاتجاه الحياتي المازوخي: يعبر المازوخي عن اتجاهه نحو الحياة بمجملها كالرضى والتحمل والمعاناة فينمو لديه النفور والإثم والعار من الجنس كمقابل يدفعه للحصول على لذة الجنس.
2ـ ظهور السلوك المازوخي ونموه نتيجة أحداث مبكرة ارتبطت فيها المعاناة مع اللذة الجنسية.
3ـ إثارة السلوك المازوخي وإعلانه للزوج للاستزادة من اللذة الجنسية . كأن تفتعل الزوجة الألم في أثناء العلاقة الجنسية.
4ـ السلوك الجنسي المازوخي الذي يظهره السادي، حيث يكبت نزواته السادية ويستبدل بها سلوكات واتجاهات مازوخية بحيث تزيد هذه المازوخية من قوتها لإبقاء المشاعر السادية مكبوتة.
علاج السادية والمازوخية
يسير العلاج النفسي جنباً إلى جنب مع العلاج الذي يتمثل في الغالب بالعلاج السلوكي، والعلاج السلوكي- المعرفي - الانفعالي أكثر من تمثله في العلاج التحليلي الذي لم يحقق نتائج تذكر في هذا المجال .
يركز العلاج النفسي على جوانب خمسة رئيسة هي:
1ـ إزالة المثيرات الجنسية غير المرغوب فيها لدى الفرد أو كبتها.
2ـ استبدال مثيرات أو مصادر أكثر قبولاً للسلوك الجنسي وإثارة الجنسية بهذه المثيرات الجنسية.
3ـ تطوير مهارات الضبط الذاتي أو مهارات المواجهة لمقاومة ظهور السلوك الجنسي غير المرغوب فيه وتنميتها.
4ـ إعادة تشكيل البنية المعرفية للفرد المصاب.
5ـ متابعة المريض وتدريبه على تلافي الوقوع ثانية في ممارسة هذا السلوك الجنسي غير المرغوب فيه.