واقع لبنان ومصيره المجهول التقارير والمقالات | واقع لبنان ومصيره المجهول
تاريخ النشر: 09-03-2021

بقلم: الدكتور حسين خليل

في لبنان حيث تحوّلت ازمة الحكومة الممتدة الى ازمة حكم، برزت معها جملة من المظاهر التي تعتبر طبيعية وليست خارجة عن المألوف في مثل هذه الحالات. نظام سياسي دستوري استهلك بشكل تام، في وقت بدأت المطالبة بتغييره بصوت عال، وسط تذمر وتململ شعبي واسع من تداعيات الطفرة السياسية القائمة، مترافقة مع اوضاع اقتصادية اجتماعية غير مسبوقة في الحياة السياسية اللبنانية.
فمنذ سنة ونصف والوضعين الاقتصادي والمالي في تراجع متسارع ومستر، الى ان وصل حاليا الى حالة الانهيار الشامل، انخفاض حاد للعملة الوطنية دون ضوابط او كوابح، ومرد ذلك عدم قدرة البنك المركزي على الإمساك بزمام أمور المضاربة على العملة الوطنية، وفي وقت لم يعد يمتلك من العملات الأجنبية سوى الاحتياط الالزامي العائد للمصارف الخاصة، والمقدرة في حوالي 17 مليار دولار وهي في الأصل أموال المودعين، وليست أموال المصارف، ما يعني ان استعمالها هو غير قانوني في تغطية ودعم المواد الأساسية للمواطنين.
ولبنان الذي يستهلك حوالي تسعين بالمئة من حاجاته الأساسية هي مستوردة من الخارج والذي يدفع ثمنها بالعملات الأجنبية غير المتوفرة بسهولة، ناهيك عن ازمة المحروقات وما يستتبعها من تداعيات لا تنتهي، جميعها وضعت المجتمع اللبناني تحت خط الفقر، وبات في مستويات صادمة وغير مسبوقة بالمطلق. فالحد الأدنى لدخل الفرد في لبنان تراجع من 450 دولارا شهريا الى 72 دولارا شهريا، وبذلك بات اقل من بانغلادش وبموازاة كل من أفغانستان وسيريلانكا والكونغو، ما وصل مستوى الفقر في المجتمع اللبناني الى حدود 70 بالمئة، وهو رقم مهول لم يسبق للبنان ان مرَّ به او لامس هذه الحدود حتى في أشد ازماته وحروبه السابقة.
ولبنان اليوم الواقع تحت ضغوط داخلية وخارجية هائلة، يتعايش مع ازمة وجودية تهدد كيانه وسط عواصف إقليمية ودولية هوجاء، تتطلب دراية سياسية في الداخل والخارج، وفي وقت لا احد مستعد لتقديم العون والمساعدة اذا لم يقدم لبنان على مساعدة نفسه قبلا، اقله اجراء إصلاحات ضرورية تقنع الآخرين بجدية عمليات الإصلاح والقدرة على الاستمرار فيها. سيما وان وعودا كثيرة لا تحصى قدمها المسؤولون اللبنانيون ذهبت ادراج الرياح دون نتائج جدية تذكر، ما أدى عمليا الى تبخر مشاريع المساعدات التي طرحت عبر مؤتمرات إقليمية ودولية ، وهي بالمناسبة عمليات وازنة قادرة على قلب الموازين لو تم التجاوب لبنانيا معها بالطرق السليمة والمقنعة لأطرافها.
ان التحديات الإقليمية التي يواجهها لبنان حاليا تتطلب سبرا للمواقف التي ينبغي عليه اتخاذها والمضي فيها، وهي من النوع الذي لا يمكن غضّ الطرف عنها او تجاهلها، هي خيارات ينبغي ان تؤدي الى مواقف محددة، تضع لبنان في طريق واضح المعالم يتماشى مع مصالحه ومصالح محيطه العربي. ثمّة تحديات قادمة على المنطقة ومنها لبنان تتطلب مواقف مناسبة تسهم في تجنيب لبنان ضغوطا غير قادر على تحملها او مواجهتها في هذه الظروف.
ثمة استحقاقات داخلية لبنانية ينبغي تمريرها بأقل الأكلاف الممكنة ومن بينها تشكيل حكومة قادرة على القيام بالأدوار المفترضة لها، أولها تأمين وتغطية المؤتمرات الدولية المتصلة بالقروض الملية والمساعدات الاقتصادية والتنمية والاستثمار.، وهي قضايا تتطلب وحدة واجماعا سياسيين غير متوفرين حتى الآن. ولبنان اليوم بات في نفق مجهول ، ينتظر انهيارا ماليا واقتصاديا وشيكا، فقر مدقع، ارتفاع وانتشار مظاهر الجرائم المنظمة ، تفكك مجتمعي، سلوكيات مجتمعية عنفية غير مسبوقة، انه تفلّت اجتماعي سياسي خطير ينبغي مواجهته قبل فوت الأوان.


تنويه | المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع

جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013