من الذي رفض بيع فلسطين لليهود؟!!.. السلطان عبد الحميد الثاني أم الرئيس بشار الأسد؟!!.. التقارير والمقالات | من الذي رفض بيع فلسطين لليهود؟!!.. السلطان عبد الحميد الثاني أم الرئيس بشار الأسد؟!!..
تاريخ النشر: 28-01-2021

بقلم: خالد العبود

-أدرك السلطان عبد الحميد الثاني أنّ "هرتزل" يبحث عن وطن لليهود في فلسطين هرباً من موقع اليهود في أوروبا، وأنّ "هرتزل" يبحث عن وطنٍ قوميّ بالمعنى الدينيّ، وهو أمرٌ يمكن أن يحمل خطراً على خلافته أو دولته، لهذا رفض أن تكون "فلسطين" وطناً قوميّاً لليهود..
-"هرتزل" حاول مراراً وتكراراً، ووسّط كثيرين لاقناع السلطان عبد الحميد، ووصل به الأمر أن يقدّم له رشاوى عديدة، عامة وخاصة، ومنها كان يتعلق بقدرات الدولة وديونها، وهو أمر لافتٌ للانتباه جدّاً، أساسه أنّ "هرتزل" بمن يمثّل يومها كان يتحدّث باسم دولة، أو ممثلاً لكيانٍ حاضرٍ وموجود بالمعنى السياسيّ والاقتصاديّ والمالي، وينقصه الأرض أو التراب!!..
-أيضاً هنا يمكننا أن نفهم لماذا كان الرفض من قبل السلطان عبد الحميد لطلب "هرتزل"، وهو أنّ السلطان أدرك بأنّ هناك من سيحاصصه على أرض خلافته ودولته، ومن سيكون بالقرب منه ويهدّد وجوده ومستقبل هذا الوجود، خاصة وأنّه، أي السلطان، كان يدرك لما يتطلع إليه "هرتزل"، من قيام دولة يمكن أن تساهم في التأثير على خلافته ودولته..
-بمعنى أنّ رفضه لم يكن يتعلق بحرصٍ منه على أرض عربيّة وحقّ أهلها فيها، أو بخشية منه على أهل فلسطين أصحاب الحقوق في أرضهم، وإنّما تعلّق رفضه لطلب "هرتزل" على أنّه انتزاعٌ لسلطانه عن جزء من أرض الخلافة، أي خلافته هو!!!..
-لم يستطع "هرتزل" تمرير مشروعه من خلال تمنياته على السلطان عبد الحميد، كذلك لم يكن "هرتزل" وحيداً، خاصة حينما كان يستميل السلطان، إذ أنّ هناك قوى أوروبيّة ورغبات عارمة، بأن يتمّ تجميع اليهود في بقعة جغرافية مثل فلسطين..
*
-كان التوقيع على اتفاق سايكس بيكو في الشهر الخامس، 9 و 16 مايو 1916م، ثم جاءت "الثورة العربية الكبرى" بعد أقل من شهر من توقيع الاتفاق، وهذا يشير على أنّ تنسيقاً هاماً كان موجوداً بين من وقّع على الاتفاق ومن دعى للثورة العربيّة، خاصة وأنّ تقاسم المنطقة لا يمكن أن يكون دون السيطرة عليها، والسيطرة بهذا المعنى كان لا بدّ لها من أن تكون بأقل الخسائر بالنسبة لمن تقاسمها، ولم يكن أفضل من تزكيّة الثورة في روح أبناء المنطقة العربيّة الواقعة تحت سيطرة الدولة العثمانيّة، خاصة وأنّ أبناء هذه المنطقة كانوا قد أخذوا ينزعون باتجاه الاستقلال والتحرير، من سلطة الدولة العثمانيّة..
-قامت الثورة بقيادة "الشريف حسين" على الدولة العثمانيّة تحت عناوين قوميّة، وحقيقة الأمر أنّ هناك من حرّض "الشريف" على الثورة، باعتبار أنّ هناك حكومات تقاسمت نظريّاً هذه المنطقة، وهي تتحضّر للسيطرة عليها، ونعني بها بالضبط القوى التي تقاسمت المنطقة العربيّة، بفضل اتفاق "سايكس – بيكو"..
-لم تنته الثورة حتى طالعنا السكرتير العام لوزارة الخارجية الفرنسية "كمبن" بوعدٍ لإقامة "وطن قومي لليهود"، وهو ما أطلق عليه "وعد كمبن"، الذي سبق "وعد بلفور" الشهير، حيث كان وعد "كمبن" بتاريخه 4 حزيران 1917م، في حين أنّ "وعد بلفور" كان بتاريخ 9 تشرين الثاني 1917م!!..
-وهنا يبدو واضحاً تماماً أنّ "الثورة العربيّة الكبرى" لم تكن ثورة للأهداف التي خرج العرب من أجلها، بمقدار ما كانت القيادات العربيّة يومها قيادات إمّا مخترقة أو عميلة، وهي كانت على اطلاع بما خطّطت له القوى التي تقاسمت المنطقة، لكنّ ذلك لا يلغي البتّة أنّ الدولة العثمانيّة كانت دولة احتلال وهيمنة واستعمار، ولا يلغي البتّة أنّ الدماء التي سُفكت على مذبح التحرير كانت دماء طاهرة وعزيزة وغالية، والأهداف التي خرجت من أجلها الجماهير العربيّة كانت أهدافاً جليلة وكريمة..
*
-في عام 2010م انطلق ما سمّي بـ "الربيع العربيّ" لتجاوز البنية العربيّة التي لم تستطع أن تؤمّن استقرار المنطقة، على أساس أنّ فلسطين هي "الوطن القوميّ لليهود"، وهي بالرغم من كلّ الملاحظات عليها كأنظمة تابعة لقوى الاستعمار التي كانت وراء "سايكس – بيكو" وملحقاتها، فإنّها أنظمة بقيت غير قادرة على تحويل "وعد كمبن" و"وعد بلفور" إلى حقيقة موضوعيّة على مستوى المنطقة، بالرغم من أنّها أنظمة التزمت بما خطّه كلٌّ من "سايكس" و"بيكو" على مستوى الخارطة السياسيّة للمنطقة..
-"هرتزل" لم يمت، باعتبار أنّه تحوّل إلى مشروع، غير أنّ هذا المشروع لم يكتمل، وكان قد مرّ عليه 100 عام تقريباً، ولا بدّ له من أن يغلق ملفه باعتبار أنّ فلسطين "الوطن القوميّ لليهود"..
-كما أنّ السلطان عبد الحميد الثاني لم يمت، لكنّه ملكه انحسر وتراجع إلى حدودٍ ليست فلسطين من ضمنها، ولا يوجد اعتراض لديه على بيع فلسطين، واعتبارها "وطناً قوميّاً لليهود"..
-كما أنّ الخونة العرب الذين كانوا جزء من "سايكس – بيكو"، لم يموتوا أو يتغيّروا، فهم جاهزون تماماً لاستكمال المشروع من أجل "استقرار" المنطقة، على أن تبقى ممالكهم ذاتها التي أنتجتها "ثورتهم" الميمونة، وتبقى خيامهم وتيجانهم وعباءاتهم وجمالهم، ولا بأس من أن يُستكمل "استقرار" المنطقة بقيام "وطنٍ قوميّ لليهود" في فلسطين..
-مئة عامٍ والصفقة لم تُستكمل و"الوعد" لم يزل وعداً قلقاً، تتجاذبه احتمالات وخيارات وسيناريوهات مختلفة لكنّها خطيرة، و"الوطن القوميُّ" لم يقم، مئة عامٍ لم تتغيّر الأدوار ولم تتغيّر المشاريع، ولم تتبدل الخرائط، مئة عام والناس منهوبة والمنطقة واقفة على قدم واحدة..
-كان لا بدّ لـ "صفقة" السلطان عبد الحميد مع "هرتزل" من أن تكتمل، وتكون فلسطين "وطناً قوميّاً لليهود"، خاصة وأنّ السلطان أضحى جاهزاً لها، والدولة الاسلاميّة العثمانية لم تعد معنية بفلسطين، والعرب الذين ورثوا الغاز والكاز جاهزون تماماً لاستكمال الصفقة، وبعض الصبية "الثوّارٍ" أضحوا صلة وصلٍ مباركة بين القسطنطينية وكعبة المسلمين..
-هذا بالضبط ما سعى له "الربيع العربيّ"، من خلال إشغال بعض الدول العربيّة داخليّاً، مثل "تونس" و"مصر" و"الجزائر" و"السودان" و"لبنان"، وإسقاط الدور الذي يمكن أن تلعبه "سوريّة" و"ليبيا" و"اليمن"، في حين أنّ "العراق" كان مأخوذاً بفضل الاحتلال الأمريكيّ له، وبالتالي فهي دولٌ أضحت محيّدةً تماماً، وفقدت قدرتها على الفعل في مسرح الأحداث، أمّا نسق الممالك العربيّة فقد كانت قد أعدّت جيّداً، كي تكون في عربة استكمال تنفيذ "وعد بلفور" ,"وعد كمبن"، من أجل وطن قوميّ لليهود في "فلسطين"!!..
-مرّ كلّ شيء على ما يرام، غير أنّ مفصلاً حقيقيّاً في سلسلة إعداد المنطقة لم ينكسر ولم يتداعَ، أمام "الربيع العربيّ" الذي نفهم اليوم ماذا كان يعني بالضبط، باعتبار أنّه أضحى واضحاً أنّه كان "ربيعاً صهيونيّاً" بامتياز، تمهيداً لاستكمال تمرير "وعد بلفور" و"وعد كمبن"!!..
-علينا أن نتذكّر هنا جيّداً، كيف أنّه عُرض على الرئيس بشار الأسد، وبعد شهور قليلة على الأحداث في سوريّة، ومن قبل إحدى مؤسسات القرار في الإدارة الأمريكيّة، أنّه إذا أراد الرئيس الأسد أن تهدأ الأحداث في سوريّة، وأن تعود البلاد إلى ما كانت عليه، عليه أن يوافق على القيام بما يلي:
1-قطع علاقته بالجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة.
2-التوقف عن دعهمه لـ "حزب الله" والمقاومة الفلسطينيّة.
3-الذهاب إلى تسوية مع "إسرائيل".
-ماذا يعني ذلك بالضبط؟..
يعني ذلك أن يعترف الرئيس الأسد بفلسطين، باعتبارها وطناً قوميّاً لليهود، وهو ما رفضه الأسد، وقاتل في سبيله، علماً أن كثيرين من الفلسطينيين أنفسهم، كانوا يقاتلون ضدّه من أجل بيع فلسطين والتنازل عنها!!!..
-بهذا المعنى نستطيع القول، كما أنّنا نستطيع أن نكتشف السرّ التاريخيّ العظيم، على أن السلطان عبد الحميد، لم يرفض أن تكون فلسطين وطناً قوميّاً لليهود، إلا لأنّها كانت جزء من خلافته، ومن المناطق التي كان يحتلها، وينهب خيراتها، في حين أنّ من رفض الاعتراف بفلسطين، على أن تكون وطناً قوميّاً لليهود، علماً أنّها ليست جزء من الجغرافيا السياسيّة للدولة التي يترأسها، هو الرئيس بشار الأسد، الذي عطّل تماماً مرور المرحلة التالية من عمر المنطقة، التي كانت قد أعدّت تماماً، لتمرير "وعد بلفور" و"وعد كمبن" التاريخيين!!!..
ملاحظة هامة
هذا المقال كتبناه منذ عام كامل، نتمنى مقارنته بالواقع الذي حصل بعد مرور عام على مروره..


تنويه | المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع

جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013