الاتحاد الاوروبي : بين سيادته في الداخل ورضوخه لضغوط الخارج !! التقارير والمقالات | الاتحاد الاوروبي : بين سيادته في الداخل ورضوخه لضغوط الخارج !!
تاريخ النشر: 27-01-2021

بقلم: الدكتور عدنان منصور

أن تخضع دولة صغيرة في العالم لارادة دولة كبرى ،قد يعتبر امرا واقعيا من حيث المبدأ ،بسبب طبيعة العلاقات ، وتأثيرات موازين القوة والنفوذ والهيمنة عليها. لكن ان نرى كتلة دولية كبرى كالاتحاد الاوروبي، بكل حجمه السياسي والإقتصادي والمالي، والعسكري ، يسير وراء دولة كالولايات المتحدة ، ينقاد اليها ، ولا يستطيع الخروج عن ارادتها ، او يسلك نهجا مستقلا مغايرا لسياساتها ، وإن كانت هذه السياسات ظالمة تعسفية بحق الدول، والشخصيات، والأفراد، والمؤسسات ، فهذا أمر مستغرب، ويسقط كل الشعارات البراقة ، والمبادئ الانسانية التي لم يتوقف الاتحاد الاوروبي بدوله السبعة والعشرين ،عن الحديث عنها، والتشدق بها، واعطاء الدروس ، وأظهار حرصه الكبير على قيم العدالة والحرية والديمقراطية والسيادة وحقوق الانسان.
يبدو أن الاتحاد الاوروبي، الذي يضم دولا فاعلة فيه، كانت في ما مضى رمزا للاحتلال والاستبداد والظلم وقهر الشعوب ، لا زال مصرا على الامعان في قراراته غير العادلة التي تبتعد في امور كثيرة عن القيم والحقوق الانسانية التي ما انفك عن الترويج لها والمطالبة بها.
كيف يمكن للاتحاد الاوروبي الحريص على حقوق الشعوب والدول ، ان يتجاهل القرارات الاممية ، ويظهر عجزه في تنفيذها ، كونه يمالئ ويتماشى مع سياسات الولايات المتحدة ورغباتها بلا تحفظ ، ودون أن يجرؤ على رفض ما تمليه عليه واشنطن لا سيما في الامور والقضايا التي تتعلق بدول وشعوب في العالم.
اي سيادة هي هذه السيادة لكتلة عالمية، لا تجرؤ أن تلتزم باتفاق أممي نووي موقعة عليه ، لتطبقه نصا وروحا،
كون واشنطن انقضت على الإتفاق وخرجت منه، ثم عادت الى فرض العقوبات مجدداً على ايران !!
أراد الاتحاد الاوروبي ان يظهر للعالم من حيث الشكل، انه يحترم الاتفاق النووي ويلتزم به ، بعد ان اعلن عن عدم انسحابه منه ، واستمراره العمل به . الا أنه وضع الإتفاق في ما بعد جانبا ، ولم يلتزم بتطبيقه ، لانه لا يستطيع ان يقول لواشنطن لا، ولا يمكنه بالتالي ان يرفض قرار الرئيس الأميركي ترامب ويخرج عن قراره. الاتحاد الاوروبي الذي لم يستطع الخروج عن طوع الادارة الاميركية ، اراد ان يغسل ماء وجهه أمام طهران ودول العالم، ليقول لاحقا ،انه سيعتمد ٱلية جديدة عبر شركة انستكس Instex للتبادل التجاري مع ايران، لكسر قرار ترامب القاضي بحظر التبادلات معها تحت طائلة فرض العقوبات على الدول والهيئات المتمنعة . رغم ذلك وللأسف، لم يتمكن الاتحاد الاوروبي من تطبيق هذه الٱلية، كون سيد البيت الابيض الذي له كلمة الفصل ، لا يروق له ذلك في هذا الشأن ،وعلى الاتحاد الخضوع والرضوخ والإلتزام بالقرار الاميركي.
حال الاتحاد الاوروبي مع إيران ، لا يختلف عن حاله مع قضية الشعب الفلسطيني، والنازحين، وممارسات الاحتلال الصهيوني في مصادرته للأراضي، وتهجير السكان ، وبناء المستوطنات، وزج الاف الاحرار في المعتقلات ، وحصار الفلسطينيين في مناطقهم ، كل ذلك يجري على مرأى من العالم والاتحاد الاوروبي بالذات، دون ان يجرؤ مسؤول رفيع فيه، على إدانة واضحة صريحة مباشرة "لإسرائيل" او المسؤولين فيها عن ممارساتها الإجرامية التي تتعارض كليا مع مبادئ حقوق الانسان، ومع شعارات الاتحاد الاوروبي التي يرفعها وينادي بها . فهو وإن فعل، فإن فعله لا يتجاوز مفردات الأسف الخجول ،لذر الرماد في العيون لا أكثر.
اين الاتحاد الاوروبي من حقوق شعب فلسطين والدولةالفلسطينية؟!! اين موقفه من عمليات الارهاب ، والإعتداءات الاسرائيلية المتواصلة على المناطق الفلسطينية، وعلى سوريا ، وايران، والانتهاكات اليومية للسيادة اللبنانية، وخرق العدو المتواصل للقرار 1701؟!
هل يجرؤ زعيم أو مسؤول كبير داخل الاتحاد الاوروبي ،على توجيه اتهامات رسمية مباشرة لمسؤولين إسرائيليين ،كما يفعل حيال زعماء دول حرة تعارض سياسات التسلط والنفوذ والتدخل في شؤونها ؟! وهل له القدرة على اتخاذ اجراءات وعقوبات ضد قادة الكيان الصهيوني لمسووليتهم عن قتل المدنيين، وتدمير بيوتهم، وتهجيرهم من اراضيهم؟!
هل يجرؤ مسؤول في دول الاتحاد الاوروبي ان يوجه انتقادا مباشرا، او إدانة قوية لا لبس فيها لمسؤول اسرائيلي ، دون ان يدفع الثمن؟! هل يجرؤ الاتحاد الاوروبي على توجيه التهمة المباشرة وإماطة اللثام عن الجهات التي تمول وتدرب وتزود الفصائل الارهابية في سوريا والعراق وغيرها بالسلاح ويكشف النقاب عنها ويسميها بأسمائها ويدينها ويعاقبها اذا كان فعلا يحارب الارهاب؟!
هل اتخذ الاتحاد الاوروبي مرة ،إجراءا عقابيا ضد مسؤول عسكري اسرائيلي ارتكب مجاور ضد الفلسطينيين؟! لكن أن يظهر الاتحاد الاوروبي خنوعه الفاضح أمام ضغوط الولايات المتحدة، وأمام تأثيرها المباشر، والابتزاز الصهيوني المتمثل باللوبيات اليهودية في اوروبا والعالم ، فهذا ينتقص من شفافيتها وصدقيتها وكرامتها ، ما يجعلنا نقول بصوت عال، ان الاتحاد الاوروبي فقد نزاهته وحياده ، وقيمه التي ينادي بها ، عندما ينجرف في فرض العقوبات دون ضوابط،ووجه حق على إيران وفنزويلا وروسيا وسوريا وغيرها، وعلى مسؤولين وشخصيات ومؤسسات ، ولا يستطيع أن يقول كلمة حق واحدة في وجه قوى الاستبداد والارهاب التي تنتهك حقوق الدول والانسان يوميا ، والتي تنشر الدمار والقتل في أنحاء عديدة من مناطق العالم.
أن فرض عقوبات على وزير الخارجية السورية فيصل المقداد ،
أسقط مرة أخرى ورقة التوت عن الاتحاد الاوروبي ، ليظهر مدى عداءه ونقمته على الدول التي ترفض السير في سياسات دول الهيمنة والتسلط والاستبداد ، سياسات لا يريد ان يتخلى عنها الاوروبيون ، تحت ذريعة الحفاظ على الحرية وحقوق الشعوب ، وهم في الحقيقة في خندق واحد مع الولايات المتحدة ، لا يبحثون الا عن مصالحهم ، وامتيازاتهم، ومواقعهم، ومكاسبهم، وتحقيق أهدافهم ، وإن جاءت على حساب القيم الانسانية، وداست على مفاهيم الحرية والديمقراطية.
إن العقوبات على وزير الخارجية السورية فيصل المقداد يكشف مدى الترهل والفشل السياسي والإنحدار الأخلاقي وطريقة التعاطي السيئ من جانب الاتحاد الاوروبي الذي يهتم بشؤون المنطقة، ويريد ان يكون له الدور الفاعل فيها ، ما يجعلنا نتساءل: كيف يمكن للاتحاد الاوروبي أن يلعب دورا للمساعدة في حل المشاكل في المنطقة ، وهو يضع على لائحة العقوبات وزير خارجية لدولة هي قلب المشرق ومحوره ونبضه! وهل فرض الحظر على الوزير المقداد سيساعد على تعزيز الجهود الهادفة الى ارساء السلام والأمن في سوريا ؟! وأي دبلوماسية ستستخدمها اوروبا للتواصل مع سوريا إذا ما دعت الحاجة اليه ،ورئيس الدبلوماسية فيها على لائحة العقوبات؟!
هل يملك الاتحاد الاوروبي فعلا قراره السيادي المستقل ، ويتصرف بحكمة وموضوعية وبمسؤولية كاملة تجاه المشاكل العديدة التي تعترض المنطقة، خاصة قضية الشعب الفلسطيني و قضايا دولها ، بمعزل عن ضغوط ورغبات وإملاءات الولايات المتحدة واللوبيات اليهودية في العالم ؟؛
مما لا شك فيه ، أن قرار الاتحاد الاوروبي الأخير ضد وزير الخارجية فيصل المقداد، يضع على المحك ، مدى اخلاق السياسة للاتحاد الاوروبي، ونزاهته وشفافيته، وصوابية قراره ، عندما يكيل بمكيالين ، ويفقد صدقيته في تعاطيه مع شعوب العالم وقضاياها التي عانت لقرون من الاستبداد والتسلط التي مارستها بحقها دول فاعلة ومؤثرة داخل الاتحاد الاوروبي .
فمتى يتحرر الاتحاد الاوروبي الذي دخل بارادته او قسرا بيت الطاعة الأميركي ، ويخرج منه ، ليقف بملء إرادته بجانب الشعوب الحرة التي قالت كلمتها ، رافضة الاملاءات ،والتبعية، والصغوط ،
والخضوع، والطاعة لأي جهة كانت؟!
اليس الأجدر بالاتحاد الاوروبي أن يستعيد ثقة الشعوب الحرة في المنطقة والعالم، باتباع سياسة انسانية نزيهة عادلة ، تعبر فعلا لا قولا عن القيم والمبادئ الحقة، بدلا من ان يكون تابعا
خلف الطغاة ،مطيعا منحازا لهم في ظلمهم، وقهرهم، واستبدادهم ؟!


تنويه | المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع

جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013