التطبيع كإستراتيجية للهيمنة والاختراق الدراسات والتوثيق | التطبيع كإستراتيجية للهيمنة والاختراق
تاريخ النشر: 18-10-2020

بقلم: د. رفعت السيد أحمد

ورقة بحثية بقلم د.رفعت سيد أحمد - شارك فيها خلال انعقاد المؤتمر الالكتروني الأول بعنوان: مؤتمر تداعيات التطبيع مع العدو الصهيوني.... وسبل المواجهة الذي عقد برعاية جامعة الأمة العربية بتاريخ 2-10-2020

بعد أن ركبت كل من دولة الامارات العربية ومملكة البحرين قطار التطبيع البائس، والذي من المؤكد أنه سيأتي اليهما بالخراب الاقتصادي والسياسي، رغم كل الادعاءات المعاكسة ،نقول بعد هذة الجريمة الخليجية المنظمة في حق الامة نحتاج اليوم مرةآخري وبعد 42 عاماً علي توقيع إتفاقية كامب ديفيد، أول تطبيع علني بين الكيان الصهيوني وأكبر دولة عربية(مصر) والذي تم في العام 1978 ... نحتاج، خاصة نُخبتنا الثقافية والسياسية التي تواجه هذا التطبيع، إلى أن نُعيد تعريف الكلمة –التطبيع– لكي نستخدمها وبدقّة في معركة المصير مع هذا الكيان الغاصِب، والذي للأسف يتمدّد الآن خليجياً ومغاربياً بشكلٍ خطرٍ ومؤلم، مُهدّداً في طريق تمدّده، أبسط قواعد الأمن القومي العربي وأشدّها رسوخاً . إن رواج المُصطلح يحتاج مُجدّداً إلى إعادة تعريف صحيحة له حتى لا تختلط الأمور وتروّج الخيانة وتقدّم للعامة على أنها مُجرّد وجهة نظر في الصراع وليست فعلاً فاضحاً كارثياً على الأمّة بتاريخها وثقافتها وإقتصادها.
بداية يهّمنا التأكيد على أننا في الموسوعة التي أصدرناها عام 2014 عن (التطبيع والمطبعّون في مصر 1979-2011) تحفّظنا منذ البدية ولازلنا حتى اليوم نتحفّظ على استخدام كلمة (التطبيع) لأنها تعني أن ثمة علاقات طبيعية كانت قائمة ثم انقطعت، والآن، يُراد لها أن تُعاد وتصبح طبيعية من جديد، وهو الأمر غير الصحيح بالنسبة للحال العربية مع الكيان الصهيوني، إذ لم تكن هناك علاقات طبيعية أصلاً بين الأمّة العربية أو الإسلامية والكيان الصهيوني، بل كانت العلاقات علاقات صراع وتضاد.
من ثم نقترح كلمة أكثر تعبيراً عن المقصود هنا، وهي كلمة (الهيمنة) أو الاختراق الصهيوني للأمّة العربية.
لقد ثبت لدينا يقينا ومن خلال دراسة مستفيضة لقصة الصراع العربي الصهيوني أنه من المُتعذّر تناول مفهوم التطبيع في الفكر السياسي الصهيوني من دون تداخل مع مفهوم هذا الكيان للسلام، والسلام الصهيوني قائم كما هو معروف على الدم والفوضى وإغتصاب الحقوق ، ومن هنا يأتي تهافت وسقوط فريق المُطبعين العرب ،حكاماً ونخبة ، الداعين للتطبيع وللسلام مع كيان تؤكّد سياساته يومياً منذ حرب 1948 ، أنه لا تصلح معه سوى المقاومة، والتي تبدأ بالكلمة وصولاً إلى الفعل المسلّح .إن الغزوة الصهيونية لفلسطين ليس حدودها ولا غايتها فقط فلسطين بل هي ، وكما أكّدت التجارب والحقائق بما فيها تلك التي جرت قبل أيام في الامارات والبحرين ، تتجاوز ذلك الي الهيمنة علي باقي الوطن العربي وإختراق أبرز الدول الاسلامية ،وهذا ما يخاتل بشأنه المُطبعون العرب ويكذبون ولا يعترفون به في مخالفة بيّنة لبديهيات الصراع وفي محاولة لإراحة نفوسهم المهزومة من داخلها ولمشاريعهم خائِرة الروح سقيمة الوجدان .إن هذا الصراع مع الكيان الصهيوني ومع (تطبيعه )هو صراع وجود وليس صراعاً على حدود ، فقط ، )كما قال ذلك الزعيم الراحل جمال عبدالناصر ، دولة الاحتلال تقول هذا كل يوم وتؤكّده بالدم العربي النازف في فلسطين وخارجها ، فهل بعد ذلك يصحّ التطبيع معها؟ وهل يستقيم ذلك مع حقيقة وجودها وأهدافه؟ ثم ألا يحق لنا بعد أن تأكّد أن هذا التطبيعخاصة مع مشيخيات الخليج النفطية ، يغطّي على جرائم الاحتلال بل ويمنحها شرعية تاريخية كان يفتقدها ، أن نسمّي هذا التطبيع مع الكيان الصهيوني بأنه بمثابة فعل فاضح في التاريخ العام للأمّة ، يستحق محاكمة ومعاقبة قانونية وسياسية وإنسانية مع مَن يرتكبه أسئلة برسم النخبة وقادتها سواء كانوا في الخليج العربي المحتل أو في دولة مثل تركيا يزعم قادتها وبخاصة أردوغان أنهم مع المقاومة وضد الكيان الصهيوني وهو ما أثبتت التجربة والتاريخ التركي الطويل منذ العام 1948 نقيضه تماما وهو ما نحاول أن نفصله قليلا في هذة الورقة البحثية ،لكي نؤكد مجددا أن المتأمرين علي سوريا قلب العروبة النابض منذ العام 2011 ؛هم أنفسهم كانوا ولايزالون حماة التطبيع ورعاته ،ويأتي اردوجان وبلاده في المقدمة ،تليه منظومة مشيخيات الخليج العربي ولنفصل ذلك

التطبيع التركي –الصهيوني نموذجا للاختراق: تقول حقائق التاريخ ووثائقه أن العلاقات بين تركيا والكيان الصهيوني كانت قديمة ولم يكن التوتّر في السنوات الأخيرة سوى على سطح الأحداث وأنهما (أنقرة وتل أبيب) يشتركان سوياً في وظيفة واحدة تجاه المنطقة العربية وهي تفكيك المنطقة، ورعاية وتمويل دواعشها (أي تنظيمات التطرّف والغلوّ الديني)، والتخديم على المشروع الأطلسي – الأمريكي في المنطقة، والذي يأتي ضرب المقاومة العربية وحماية أمن إسرائيل وسرقة النفط العربى على قمة أولوياته وفي الالتدليل علي ذلك نؤكد علي الاتي:


أولاً : العلاقات الإسرائيلية – التركية أقدم وأعقد من أن يدّعي أردوغان أنه كان قد قطعها حباً في الفلسطينيين وفي سفينة مرمرة، لقد كانت لعبة (بروبغندا - دعاية) ليس أكثر.. فهذه العلاقات تمتد إلى العام 1949 حين كانت تركيا هي أول دولة في العالم تعترف بإسرائيل وكان ذلك فى 28 مارس 1949. والتاريخ يقول لنا أيضاً أنها كانت تاريخياً في صف الأعداء فلقد انضمّت إلى حلف بغداد المُعادي لمصر عبد الناصر عام 1955 وأيّدت العدوان الثُلاثي على مصر عام 1956 والتدخّل الأمريكي في لبنان ونشر قوتها على الحدود العراقية للتدخّل في إسقاط ثورة 14 يوليو 1958 إضافة إلى تلويحها المستمر بقطع المياه عنه؛ أو خفض حصة سوريا والعراق من المياه وإنشاء السدود والخزانات لإلحاق الضرر بالزراعة في العراق وسوريا.

وانتهاكها المُستمر لحُرمة الأراضي العراقية منذ عام 1991 وإلى الآن بحجّة مُطاردة عناصر حزب العمّال الكردستاني التركي (P.K.K) مُستغّلة الأوضاع القلقة في شمالي العراق ، وتتعاون بقوة مع أمريكا والكيان الصهيوني في مجال التصنيع العسكري للصواريخ وشبكات الليزر التكتيكية المضادّة للصواريخ والتي تحمل إسم (نويتلوس) وهي شبكة تم نشرها في أواخر عام 1997؛ وثمة اتفاقات عديدة بين تركيا والكيان الصهيوني على إنتاج صاروخ (بوياي) (جو - أرض) والذي أنتجته تركيا لصالح الكيان الصهيوني خلال السنوات الممتدة من (2002-2020) ، وتآمرها الواضح على وحدة الأراضى السورية تحت مُسمّى وهمي إسمه دعم الثورة السورية ، فضلاً عن محاولاتها المُستمرّة لاحتواء حركة حماس وتحويلها إلى حركة إخوانية سياسية تُستخدَم لضرب مصر بعد 30 يونيو2013 وسوريا بعد انتصاراتها على دواعش الداخل.


ثانياً : بعودة إلى لتاريخ حتى يفهم مَن لا يريد أن يفهم من نُخبتنا العربية حقيقة علاقات تركيا بإسرائيل والممتدة منذ حرب 1948 حتى اليوم، فإن التاريخ يُحدّثنا أنه في 1958، وقّع داڤيد بن غوريون وعدنان مندريس اتفاقية تعاون ضدّ التطرّف ونفوذ الاتحاد السوڤياتي في الشرق الأوسط. وفي 1986 عيّنت الحكومة التركية سفيراً كقائم بالأعمال في تل أبيب. وفي 1991 تبادلت الحكومتان السفراء وفي فبراير وأغسطس 1996، وقُعت حكومتا تركيا وإسرائيل اتفاقيات تعاون عسكري. وقد وقّع رئيس الأركان التركي وقتها چڤيق بير على تشكيل مجموعة أبحاث استراتيجية مشتركة ومناورات مشتركة، منها (تدريب عروس البحر) ، وهي تدريبات بحرية بدأت في يناير 1998 ثم تدريبات مع القوات الجوية، الأمر الذي شرّع وأسّس لوجود آلاف عدّة من المستشارين العسكريين الإسرائيليين في القوات المُسلّحة التركية لايزال بعضهم يعمل حتى يومنا هذا (2020) وتشتري تركيا من إسرائيل العديد من الأسلحة وكذلك تقوم إسرائيل بتحديث دبّابات وطائرات تركية. منذ 1 يناير 2000، أصبحت اتفاقية التجارة الحرّة الإسرائيلية التركية سارية.

ومن قبل فقد شهد العام 1994 أول زيارة لرئيسة الوزراء التركية تانسو تشلر إلى إسرائيل لأول مرة وبعدها، ظهرت الاتفاقيات العسكرية السرية إلى النور في 1996 بتوقيع الاتفاقية الأمنية العسكرية التي اعتُبرت مخالِفة للقانون التركي ، لأنها وقّعت من دون موافقة لجنة الشؤون الخارجية للبرلمان التركي ، ومع ذلك استمرّت حتى يومنا هذا (2020) رغم الانقطاع الشكلي في العلاقات الدبلوماسية.

وتضمّنت الاتفاقية إقامة مناورات مشتركة برية- بحرية- جوية وتبادل الخبرة في تدريب الطيّارين المُقاتلين وتبادل الاستخبارات الأمنية والعسكرية بخصوص المشاكل الحسّاسة مثل الموقف الإيراني والعراقي والسوري إضافة إلى تعاون وثيق في صيانة وإحلال وتجديد سلاح الجو ومنظومة الدفاع الجوي التركي بقيمة تتجاوز الملياري دولار.

3 - وحتى 2020 لاتزال عقود التسلّح تُمثّل صُلب التعاون العسكري بين أنقرة وإسرائيل بل تضاعفت عما كانت عام 2006 وتحوّلت إلى شراكة استراتيجية منحت شركات الأسلحة الإسرائيلية عقوداً مُعلنَة وسرّية لتطوير الدبّابات 60 M- وتحديث المقاتلات إف-16 وإف-5 وبيع طائرات من دون طيّار.

4 - ومن إجمالي الحركة التجارية بين البلدين كانت عقود الأسلحة تمثّل بين 65٪و 72٪ وبينما وصل التعاون العسكري والصفقات التسليحية بين تركيا وإسرائيل إلى 4 مليارات دولار.

5 - التعاون الاستراتيجي في العلاقات الاقتصادية بين الدولتين مُتنوّع وعميق للغاية، حيث تفيد مُعطيات وزارة التجارة والصناعة الإسرائيلية بأن تركيا تحتل المرتبة السادسة في قائمة الصادرات الإسرائيلية لدول العالم. الناطق بلسان الوزارة يُشير إلى أن حجم التبادُل التجاري بين تركيا وإسرائيل شهد تطوراً هائلاً ونبّه إلى أنه ارتفع من 300 مليون دولار في 1997 إلى 3.1 مليارات دولار عام 2010 وفيه بلغ حجم الصادرات الإسرائيلية لأنقرة ملياراً وربع المليار دولار. واليوم (2020) يقترب الرقم من الـ5 مليارات دولار.

6 – وبالعودة إلى الاتفاقية الأمنية العسكرية سنة 1996 بين تركيا وإسرائيل نجد أن من أبرز بنودها والتي تُنفّذ اليوم (2020) في ظلّ حكومة أردوغان صديق الإخوان المسلمين وراعي الإرهاب في سوريا ومموّله في ليبيا :

أ- خطّة لتجديد 45 طائرة f - 4 بقيمة 600 مليون دولار، تجهيز وتحديث 56 طائرة f - 5 ، صناعة 600 دبّابة60 M-, خطّة لإنتاج 800 دبّابة إسرائيلية ميركافاه ، وخطّة مُشتركة لإنتاج طائرات استطلاع من دون طيّار، وخطّة مُشتركة لإنتاج صواريخ أرض جو بوبي بقيمة نصف مليار دولار بمدى 150 كم.

ب - تبادُل الخبرة في تدريب الطيّارين المُقاتلين (وبالمناسبة هم أنفسهم الطيّارون الذين يصطادون قادة المقاومة الفلسطينية ويقتلونهم بعد أن يكونوا قد تدرّبوا جيداً على هذا القنص في الأراضي التركية وفي مُعسكرات الجيش التركي).

ج - إقامة مُناورات مُشتركة بريّة- بحرية- جويّة.

د - تبادُل الاستخبارات (المعلومات) الأمنية والعسكرية بخصوص المشاكل الحسّاسة مثل الموقف الإيراني والعراقي والسوري وطبعاً التجسّس على الفلسطينيين واللبنانيين المُقاتلين.

هـ - إقامة حوار استراتيجي بين الدولتين.

و - التعاون الاقتصادي (تجاري صناعي وعسكري).

إن العلاقات التركية - الإسرائيلية تتحكّم فيها عناوين ثلاثة: مشروع أنابيب السلام لتوصيل المياه التركية للكيان الصهيوني (!!) ، واتفاق التعاون الاستراتيحي، واتفاق التجارة الحرّة. هذا ومن بين ما يتضمّنه مشروع «أنابيب السلام»، إقامة محطّة في منطقة شلاّلات مناوجات التركية لتزويد إسرائيل بكمية 50 مليون طن سنوياً (وتمثّل قرابة الـ5% من احتياجات إسرائيل السنوية من المياه) من المياه لمدة 20 عاماً.

 

ثالثاً : تقوم كل من إسرائيل وتركيا بدعم وتدريب وتهريب نفط للجماعات المُسلّحة التي تُقاتل في سوريا والعراق، وتستخدم في ذلك القواعد العسكرية الأمريكية التي تحتل تركيا (تلك الدولة التي يزعم أردوغان صباح مساء أنها دولة حرّة مُستقلّة ويُردّد خلفه أنصاره من تيّارات الإسلام السياسي المُتأمرك نفس المقولات كالببّغاوات من دون تفحّص وتأمّل) . إن أبرز هذه القواعد العسكرية التي تتواجد في تركيا – أردوغان وتموّل الإرهابيين وتدرّبهم بإشراف الموساد الإسرائيلى :

( قاعدة أنجرليك – قاعدة سينوب – قاعدة بيرنكيك – قاعدة كارنما يردن – قاعدة أزمير الجويّة – قاعدة بلياري – قاعدة أنقرة الجويّة – قاعدة سيلفلي – قاعدة الأسكندرونة – ويومورتاليك) .

هذه القواعد وغيرها (23 قاعدة عسكرية أمريكية وغربية) تُمثّل الأداة الأكبر في التفكيك والتآمر على الدول العربية وفي مقدمتها سريا ومصر وفي رعاية الحركات الإرهابية.
*************

خلاصة الأمر هنا أن التطبيع كإستراتيجية صهيونية للهيمنة والاختراق ،يرتكز الان في حركته علي المال النفطي القادم من مشيخيات الخليج وبخاصة الامارات وقطر والسعودية و أيضا علي التعاون الامني والعسكري والسياسي مع تركيا- أردوجان، وبعض الدول العربية الاخري التي أقامت سلاما مدنس مع هذا الكيان (مثل مصر والاردن والسلطة الفلسطينية) ولاسبيل –في تقديرنا– لإفشال هذا التطبيع الزاحف والي إيقاف قطاره المندفع شرقا وغرباً... سوي بإعلاء ثقافة وسلاح المقاومة ليس فحسب ضد الكيان الصهيوني ،بل وضد المحور التطبيعي العربي –التركي ،فإذا ما ذاق يوما القائمين بهذا الفعل التاريخي الفاضح ضد الأمة... مرارة الثمن وكلفته علي مصالحهم وبخاصة النفطية منها ؛فإننا نزعم أن قطار التطبيع لحظتها سيتوقف بل وقد ينقلب حسرة في قلوب صانعيه ومشغليه ،المقاومة إذن هي الحل وهي نقطة البداية الصحيحة. والله أعلم ...


جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013