نحو وساطة روسية للتوفيق بين المتصارعين من شرق الفرات الى شرق المتوسط التقارير والمقالات | نحو وساطة روسية للتوفيق بين المتصارعين من شرق الفرات الى شرق المتوسط
تاريخ النشر: 12-09-2020

بقلم:

يحتدم صراع متعدد الدوافع والمصالح من شرق الفرات الى شرق المتوسط بين لاعبين اقليميين ودوليين. اللاعبون الناشطون : تركيا وايران وسوريا والعراق . اللاعبون المساندون : اميركا وروسيا وفرنسا واسرائيل واليونان وقبرص. محور الصراع النفط والغاز ، تتداخل فيه ومعه صراعات اخرى سياسية واقتصادية ، يتوسلها اللاعبون بغية الحصول على مكاسب او لتفادي خسائر سياسية واقتصادية.
أنشط اللاعبين في ميدان الصراع الممتد من أصقاع جبل قنديل في شمال العراق الى البحر الابيض المتوسط وصولاً الى سواحل ليبيا هو بلا شك تركيا. ذلك ان رجب طيب اردوغان، بتطلعاته "العثمانية " الطموحة ، يأمل بتحويل تركيا الى كبرى دول الإقليم واغناها وذلك بالسيطرة على مكامن الغاز والنفط في رقعة جغرافية واسعة تمتد من شرق الفرات والبادية السورية الى الصحاري الليبية مروراً بالجرف القاري لكل من تركيا وسوريا وقبرص واليونان، فضلاً عن المنطقة الاقتصادية الخاصة لتركيا في البحر الاسود.
الولايات المتحدة محرجة لأن كلاًّ من تركيا واليونان عضوان في حلف شمال الاطلسي ("الناتو") . روسيا ايضاً محرجة لأنها تحاول اجتذاب تركيا خارج "الناتو" بتزويدها افعل وسائل الدفاع الجوي (S- 400) لكنها تحاذر اغضاب مصر شريكتها في الحصول على نفط ليبيا وغازها بدعم حليفها خليفة حفتر وحكومته التي تضع يدها على آبار النفط في شرق البلاد .
فرنسا كانت اسهمت في عملية الإطاحة بمعمر القذافي طمعاً بأن تكون لها الحصة الأكبر في نفط ليبيا وغازها. لذا فهي تقف مع اليونان، حليفتها في "الناتو" ، التي تشكو من ان تركيا تقوم بالتنقيب عن النفط والغاز في الجرف القاري العائد لها في البحر الابيض المتوسط كما في الجرف القاري العائد لقبرص اليونانية.
"اسرائيل" تتوجس من تركيا بعدما وقّعت مع قبرص واليونان على اتفاقية لمدّ انبوب بحري لنقل المشتقات النفطية من منشآتها البحرية قبالة شواطىء فلسطين المحتلة وصولاً الى اوروبا ما يجعلها منافسة قوية لتركيا بما هي الممر الجغرافي الطبيعي للغاز الروسي الى اوروبا.
سوريا متضررة من تداعيات هذا الصراع المحتدم. فهي تشكو من قيام ادارة ترامب بنشر قوات اميركية في شرق الفرات ، من محافظة الحسكة غرباً الى محافظة دير الزور شرقاً ، ما يحرم حكومة دمشق الإفادة من آبار النفط القائمة في المحافظتين ، كما من مكامن الغاز والنفط في بادية الشام شرق مدينة حمص. فوق ذلك ، تقوم اميركا بتسليح فريقٍ من الكرد السوريين المتعاملين معها (قوات "قسد" تحديداً) بقصد تشجيعهم على الإنفصال نهائياً عن سوريا وإقامة كيان كردي مستقل.
الى ذلك ، وقعت ايران مع الصين اتفاقيات متعددة بمليارات الدولارات للتنمية الإقتصادية والصناعية والتكنولوجية. والمعروف ان للصين مخططاً اقتصادياً استراتيجياً معروفاً بإسم "الحزام والطريق" ، يمتد من اراضيها في الشرق الاقصى مروراً ببعض دول آسيا الوسطى وصولاً الى ايران، على ان تكون له منافذ بحرية في غرب آسيا أهمها موانيء سوريا ولبنان على الساحل الشرقي للمتوسط .
في ضوء هذه الوقائع والحقائق والمصالح والطموحات ، قمتُ بعملية عصف فكري مع بعض الكتّاب من ذوي الخبرة في الشؤون الإستراتيجية، استخصلتُ بنتيجتها الأفكار والتوصيات الآتية :
اولاً : ان ايران وسوريا والعراق (كما روسيا) لديهم الكثير من النفط والغاز وليسوا تالياً في صدد منافسة تركيا في سعيها الحثيث للحصول على المزيد منهما في منطقة شرق المتوسط .
ثانياً : ليس من مصلحة تركيا ان تنشر الولايات المتحدة قوات لها في شرق الفرات لتمكين حلفائها الكرد من السيطرة على آبار النفط هناك واستثمارها لأن ذلك قد يؤدي الى اقامة كيان كردي مستقل في شمال شرق سوريا على مقربة من منطقة الكثافة الكردية في ديار بكر جنوبي شرقي تركيا ما يهدد على المدى الطويل وحدة تركيا الجغرافية والسياسية.
ثالثاً : لا مصلحة لروسيا في اقامة وتشغيل انبوب نقل الغاز والنفط من منشآت "اسرائيل" البحرية في شمالي غربي فلسطين المحتلة الى اوروبا عبر قبرص واليونان ، كما لا مصلحة لها في تدخل فرنسا في ليبيا للإستحصال على حصة من نفطها وغازها ذلك لأن روسيا ومصر تتعاونان مع حكومة خليفة حفتر في شرق ليبيا ومن المنطقي تالياً ألاّ تكونا سعيدتين بتدخل فرنسا لمنافستهما على النفط والغاز الليبيين .
رابعاً: لإيران وروسيا مصلحة في التعاون مع الصين في مسار "الحزام والطريق" ، ولاسيما لجهة مصبّه البحري على الساحلين السوري واللبناني ، كما على الساحل التركي.
خامساً : إزاء هذا الوئام في المصالح بين روسيا وايران وروسيا وسوريا ، فإن من المنطقي بل من الضروري ان تقوم روسيا ، بما لها من ثقل سياسي واقتصادي ومكانة استراتيجية، بوساطة فاعلة للتوفيق بين اللاعبين الاقليميين سالفي الذكر ولاسيما بين سوريا والعراق من جهة وتركيا من جهة اخرى .
من الواضح ان جميع اللاعبين الإقليميين لهم مصلحة مشتركة في إنجاح وساطة روسيا في هذا المجال ، خصوصاً في امرين استراتيجيين :
الاول ، حلّ "المشكلة الكردية" التي تواجه تركيا وسوريا والعراق وذلك بإكراه الولايات المتحدة على سحب قواتها من سوريا والعراق ما يجعل سحب القوات التركية من شرق الفرات ومن محافظة ادلب ممكناً ومتاحاً بعد التوصل الى اعطاء الكرد السوريين حقوقهم بالتساوي مع سائر المواطنين السوريين وذلك في إطار حل سياسي ودستوري يتيح اعتماد اللامركزية الادارية ، ويحفظ سيادة سوريا على جميع اراضيها.
الامر الثاني ، التوافق بين سوريا والعراق وتركيا على التعاون الوثيق في استئصال ما يسمى "تنظيمات الجهاد الإسلامي" الارهابية التي باتت ادوات بيد الولايات المتحدة للنيل من العراق ووحدته في محافظات ديالي وصلاح الدين والأنبار ، ومن سوريا في محافظتي ادلب وحماه.
اما الصين فلها دور تلعبه مباشرةً (او مداورةً من خلال روسيا) للتوفيق بين سوريا والعراق من جهة وتركيا من جهة اخرى لضمان مسار "الحزام والطريق" في غرب آسيا.
بترسيخ الوئام بين دول غرب آسيا ، يصبح لسياسة التوجّه شرقاً معنى وفاعلية.


تنويه | المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع

جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013