*التطبيع الإماراتي.. الأسباب السياسية والدوافع الاستراتيجية التقارير والمقالات | *التطبيع الإماراتي.. الأسباب السياسية والدوافع الاستراتيجية
تاريخ النشر: 28-08-2020

بقلم: أحمد أبو زهري

يطل علينا الحاكم الفعلي للإمارات محمد بن زايد بمصيبة من مصائبه السياسية التي تعودنا على فواجعها في وطننا العربي، ليعلن إتمام مراسم (الزواج السياسي) المحرم بين أبو ظبي وتل أبيب بعد خطوبة استمرت سنوات، حيث تخطى فيها الطرفان كل المحرمات عربيًّا وإسلاميًّا، والذي باركه العالِم الموريتاني عبد الله بن بيه رئيس هيئة الإفتاء الإماراتية في تساوق غير أخلاقي مع الخطوة باعتبارها شأنًا سيادياً إماراتياً، وقد صاحب الإعلان الكثير من التضليل، باعتبار أن الخطوة جاءت لمصلحة الفلسطينيين، وأنها ألغت أو أجلت خطة الضم لمدة طويلة، لكن كثيرين يشككون في صحة هذه الادعاءات مبينين أنه توجد أسباب أخرى خفيَّة، وهذا ما يدفعنا للتساؤل حول ماهية الأسباب الحقيقية وراء الاتفاق.

فإذا ما تحدثنا عن وقف مخطط الضم كذريعة اتخذها المستوى الرسمي الإماراتي للتستر خلف الاتفاق، فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد نفيا ذلك، بالإضافة إلى أن هذه الخطة قد جُمِّدت أصلًا لأسباب داخلية إسرائيلية وأمريكية قبل إعلان الاتفاق بفترة، لذلك فإنه علينا الغوص أكثر في عمق الأسباب الحقيقية للوصول إلى قراءة حقيقية، فإذا ما نظرنا بتأمل للوضع السياسي داخل "إسرائيل" نجد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يعاني أزمات متفاقمة ومعقدة، فالوضع الحكومي لا يزال غير مستقر والائتلاف هشّ وحالة التناحر في أوجها مع رئيس الوزراء بالتوازي أو بالتناوب مع وزير الحرب الإسرائيلي بني غانتس.

بالإضافة إلى ثلاث قضايا فساد تلتفُّ حول عنق نتنياهو وأزمة تفشي وباء كورونا وتداعيات الأمر على الجوانب الاقتصادية، فضلًا عن فشله الذريع في تطبيق خطة الضم التي وعد بها المجتمع الإسرائيلي، إلى جانب التهديدات الأمنية المتنامية التي عجز عن وضع استراتيجية مناسبة للقضاء عليها، ومنها النفوذ الإيراني والتموضع في سوريا، وارتفاع وتيرة التهديدات من قبل حزب الله، وعدم اتخاذ سياسات واضحة لردع جبهة الجنوب.

ومن جانب آخر فإن الخطوة الإماراتية شكلت هدية انتخابية للرئيس الأمريكي ترامب، الذي يمر بأزمات لا تقل خطورة وحساسية مما يعيشه رئيس الوزراء الإسرائيلي، فهناك أزمات اقتصادية ضخمة تجتاح الولايات المتحدة من جراء انتشار جائحة كورونا، بالإضافة إلى ارتفاع وتيرة الانتقادات له من خصومه السياسيين ومن الإعلام نتيجة سياساته (الخرقاء أو الطائشة) في إدارته للبلاد، فمع ظهور الاحتجاجات الداخلية انكشف ضعفه في التأثير على الشارع، واستُخدمت تصريحاته للسخرية وقد هوجِمَت.

كما أنه عجز عن مواجهة التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة، وعرّض مصالح الأمريكيين للخطر، ففي العراق أصبحت القوات الأمريكية في مرمى التهديد، حيث قصف الحرث الثوري الإيراني قاعدتي عين الأسد وأربيل اللتين توجد فيهما القوات الأمريكية على خلفية اغتيال الجنرال قاسم سليماني ورفيق دربه أبو مهدي المهندس نائب قائد الحشد الشعبي العراقي، وفقدت الولايات المتحدة تأثيرها السياسي على الحكومة العراقية أمام النفوذ الإيراني، هذا بالإضافة إلى الفشل الذريع في لجم الطموحات الإيرانية في المنطقة، فقد استطاعت القوات الإيرانية استهداف طائرة استطلاع أمريكية ضخمة، في حين اكتفى الرئيس الأمريكي بالتهديدات عبر تويتر.

وفي سوريا تراجع الدور الأمريكي وانحسر التأثير السياسي أمام الدور الروسي والفيتو الصيني والدور الإيراني، وفي لبنان لم تثمر الخطوات الأمريكية وسياسة التضييق على لبنان في تقييد حزب الله أو نزع سلاحه، كما أن إدارة ترامب فشلت في إقناع السلطة الفلسطينية قبول صفقة القرن الأمريكية، وساد العلاقات توتر مع رئاسة السلطة بعد انحياز هذه الإدارة للرؤية الإسرائيلية، وإفشالها كل المساعي الرامية لحل الدولتين وإنهاء الصراع، إنها صورة مصغرة عن حالة الفشل والتحديات التي واجهت الرئيس الأمريكي وإدارته في منطقة الشرق الأوسط، الذي يستعد لمعركة طاحنة أمام خصمه السياسي جو بايدن الذي يتأهب حاليًّا للإطاحة بالرئيس دونالد ترامب.

فكانت هذه الخطوة بمنزلة (طوق نجاة) يمكن أن تساهم إلى جانب خطوات أخرى في تحسين صورة الرئيس الأمريكي أمام ناخبيه، على اعتبار أنه حقق إنجازًا تاريخيًّا لصالح (إسرائيل)، كما أن الرئيس الأمريكي يستثمر الخطوة لاستمالة الجالية اليهودية والجماعات المؤثرة لجني أصواتها في الانتخابات المرتقبة.

ويبرُزُ سببٌ آخر يتعلق بحماية هذه الإمارات التي يحيطها التهديد ويكتنفها الخوف من أي تغيير حقيقي في المنطقة، فيمكن اعتبار الخطوة على أنها رشوة سياسية إضافية لتثبيت نظام الحكم، وتقديم فروض جديدة للطاعة، والإبقاء على هذه البقعة كمرتكز أمني واستخباري وسياسي لتنفيذ مخططات قادرة على إفشال أي مشروع نهضوي في المنطقة، فالإمارات وقفت خلف عدة انقلابات ومَوّلت حروبًا متوالية للإطاحة بأنظمة سياسية مناوئة لسياساتها.

كما أن الاتفاق جاء تتويجًا لعلاقة سرية ممتدة منذ فترة طويلة بين أبو ظبي و(تل أبيب)، كون الإمارات تنظر لـ(إسرائيل") على أنها (الدرع الحامي) أمام التهديد الإيراني والتركي، فيمكنها الاحتماء من خلال الاتفاق مع (إسرائيل)، إلى جانب جملة من الفوائد التي تطمح للحصول عليها في المجالات كافة، ويمكن القول إن الإمارات فشلت فشلًا ذريعًا في تحالفاتها وتحركاتها في المنطقة التي منها الحرب على اليمن وملف ليبيا وغيرها من الملفات، فأرادت تحقيق إنجاز ملموس حتى لو كان على حساب المصالح العربية وثوابت القضية الفلسطينية، لكن الاتفاق لن ينقل الإمارات لما تصبو إليه، وربما يكون وبالًا عليها وعلى حكامها، ويشكل خطوة على طريق تشكيل اصطفافات جديدة ضد سياساتها وصولا لعزلها ومقاطعتها..


تنويه | المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع

جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013