التطبيع في زمن المقاومات التقارير والمقالات | التطبيع في زمن المقاومات
تاريخ النشر: 28-08-2020

بقلم: حنان سلامة

في ظلّ الانقسام الواضح والجلي بين مؤيد للإعتراف بالعدو الصهيوني كياناً قومياً بحكم التسليم بسنن الضعفاء على أرض فلسطين المغتصبة، وبين بندقية مقاومة مناضلة لطالما زغرد رصاصها من أقصى منابر السياسة إلى دفء زنادها بين أصابع شهيد قضى من أجل عدم الاعتراف وعدم التطبيع الكامل. فالتطبيع مرفوض تحت أيّ عنوان، سواء كان تطبيعاً سياسياً حكومياً، أو تطبيعاً شعبياً، أو تطبيعاً يشمل علاقات تجاريةً وما شابه.

إنّ بعض الدول العربية اللاهثة نحو عملية التطبيع مع العدو الصهيوني، تحاول أن تقيمه على أساس السلم العالمي بحجة أنها راعية ومحبة للسلام، كي تحافظ هذه الدول على وجودها الهش، وتتلطّى خلف آخر ورقة تين أو بصل أو قناع بلاستيكي – لا فرق – حتى تدفن استسلامها قبالته، وتستلّ سيف الفساد لتحارب به شعوبها الحية، وهي التي غرقت به وتبلّلت حتى مطلع الفساد وآخره، وما الملكيات العائلية التي تكدّس ثرواث شعوبها المنهوبة في بنوك جلاديها في الغرب إلا خندق مليء بالعمالة والتطبيع والسفالة الكاملة.

التطبيع الذي تطمح لإحقاقه بعض الدول العربية، لا يدلك سوى إلى شيء واحد في زمن «الترف النضالي»، ولا يشكل بالدرجة الأولى إلا براءة كاملة لعدوّنا، وشطباً لكلّ التاريخ الإجرامي لهذا الكيان الغاصب الذي مارس سياسة المجازر على أيدي عصاباته الآتية من شتات الأرض، والتي بدأت ويلاتها مع «البالماخ» و «الهاغاناه» و»شتيرن» التي مارست أبشع وسائل القتل الجماعي والتهجير الممنهج الذي كشفت الأيام أنه كان مدعوماً من الدول التي تسعى الآن إلى التطبيع، وسعت إلى بثّ رعبها النفسي والتقسيمي، وقتل لغة العقل الحيّ الفاعل، وإحلال سلوكيات «الإسلام السياسي» العاهر داعش – بديلاً عنه. إنّ داعش هي لغة تلمودية وبنت الصهيونية المدللة وفعلها وسلوكها وذراعها ووجهها الحقيقي في أمتنا العربية.

إنّ التطبيع مع «الكيان الغاصب» هو شكلٌ حيوي من أشكال الاعتراف بوجود هذا الكيان سواء كان تطبيعاً حكومياً سياسياً، كالتطبيع الحاصل في مصر التي مسحت بهذا العار دماء شهدائها الذين سطروا البطولات في حرب 1973، وتناست صور الأسرى عندما كانت دبابات العدو اليهودي تسحقهم أحياء. وبما أنّ الدولة في مصر من حكم السادات إلى حكم السيسي ما زالت في خانة الأسر السياسي والعسكري، ضمن هذا التطبيع وهذه الاتفاقية التي عُرفت باتفاقية «كامب ديفيد»، إلا أنّ الشعب المصري ما زال يرفض التطبيع الشعبي بينه وبين الصهاينة على جميع الأصعدة. إنّ الخلاص من هذا الإذلال هو أن تستعيد مصر قوّتها وعافيتها كدولة قوية في مجتمعها وفي دورها الإقليمي.

لم يعُد مشروع التطبيع مع العدو الصهيوني عملاً معيباً أو أمراً سيئاً في نظر قطار المروّجين له. فالأردن من أوائل الذين تهافتوا لإقامته في إطار الدور المرسوم له من ضمن اتفاقية عرفت باتفاقية «وادي عربة» عام 1994 والتي وُقعت بين الملك حسين ورئيس وزراء الكيان الصهيوني اسحاق رابين. لقد كان هذا التطبيع أيضاً تطبيعاً منفرداً سياسياً حكومياً، مرفوضاً من الشعب في الأردن، وأكبر مثال على ذلك ما فعله الجندي الأردني البطل أحمد الدقامسة عام 2009 عندما أطلق النار وقتل سبع «إسرائيليات»، وحكم عليه من قبل النظام الأردني بالسجن المؤبد، لكنه خرج بعد سبعة أعوام بموجب تبادل الأسرى والسجناء.
إنّ الأمثلة كثيرة إذا أردنا أن نضربها كأدلة جازمة على نيات البعض في التطبيع العملي مع الصهاينة، منها السعودية وقطر والبحرين والإمارات وجنوب السودان على سبيل المثال لا الحصر. بالإضافة طبعاً إلى الاعتراف بوجود العدو الصهيوني من قبل السلطة الفلسطينية التي تسعى من أجل توثيق وإرساء هذا التطبيع كبداية للاعتراف الكامل المرفوض من المقاومة الشعبية الفلسطينية.


تنويه | المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع

جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013