أسلحة الشغب والمساعدات والاستقالات التقارير والمقالات | أسلحة الشغب والمساعدات والاستقالات
تاريخ النشر: 11-08-2020

بقلم: إيهاب زكي

بدا التناسق الإعلامي السريع بعد انفجار مرفأ بيروت بين الإعلام النفطي والإعلام الذي يعمل بالنفط، كأنّه مسبق الإعداد والتحضير، وهذا من ضمن القرائن التي اعتمدها البعض للذهاب إلى فرضية الفعل المدبر لا الحادث، وهو ما يذكرنا بعدوان 2006 على لبنان، حيث كان العدوان معدًا سلفاً في نهاية صيف ذلك العام، لكن عملية الأسر التي نفذها حزب ال ل ه قربت الموعد، ويبدو أنّ هذا الهجوم الإعلامي والسياسي كان في حالة جهوزية للانطلاق مع انتهاء جلسة النطق بالحكم، في المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بلبنان في السابع من آب/أغسطس، فجاء انفجار المرفأ كحافزٍ لتعجيل التفعيل للمخطط المسبق، وهو كذلك السبب في تأجيل جلسة النطق بالحكم حتى لا يتم خسارة الزخم المرجو لآثاره، فلا أهداف للغرب في لبنان سوى التخلص من عوامل قوته التي تؤرق الكيان الصهيوني، والشائع في العقلية الغربية والصهيونية أنّه لا سبيل لذلك سوى إشغال حزب الله بفتنةٍ داخلية.

والشكل الذي تم فيه إخراج المظاهرات، وعلى هذا النحو من السلوك الفجّ وغير اللائق، يدل على هذا المسعى خارجياً، فخارجياً رغم ما تبدو عليه الإيجابية التي تعامل بها الغرب تجاه الكارثة، فإنّه يتعامل بمنطق الانحناء للعاصفة أولاً، وإدراكه لتثلم أدواته محلياً وعدم نجاعتها ثانياً، وكما قال الرئيس الفرنسي للرئيس الأمريكي، "إنّ شدة الضغط ستعود بالفائدة على حزب ال ل ه"، وهذا بالمناسبة بالضبط ما قاله السيد نصر ال ل ه في خطابه قبل عدة أسابيع، "أنّ شدة العقوبات ستأتي حتى بخصوم حزب ال ل ه إلى خندقه". وما تمخض عنه مؤتمر المانحين الذي عُقد بالأمس، يدل دلالة قاطعة على أنّ المقصود ليس مساعدة لبنان على تخطي الأزمة، بل منعه من تخطيها، عبر رشوةٍ صغيرة تعادل مئتي مليون دولار، وهي لا تساوي شيئاً مقارنة بحجم الخسائر، كما أنّها أتت بشكلٍ مهينٍ من خلال تجاوز مؤسسات الدولة، تحت يافطة فسادها وحرص الغرب على الشفافية، وتبدو هذه الخطوة في الشكل كأنّها أولى الخطوات في الطريق إلى فرض الوصاية على لبنان.

أما داخلياً فتبدو الدلالة ممكنة الاستنباط، هي الجدية في مسار التحقيق الحكومي بالانفجار، وهذه الجدية قد يرى البعض عدم قابليتها للركون في بلدٍ مثل لبنان، ولكن على الأقل فإنّ من استشرس في الشارع قد لمس هذه الجدية، وهذا يبدو مؤشراً جيداً، رغم أنّه من ناحيةٍ أخرى سيجعل كل المتضررين في حالةٍ من الهياج، وسيدفعون بكل أدواتهم المتاحة وغير المتاحة للحدّ من الخسائر، أو لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، حيث سيتم الترهيب بالفتنة والشارع والفراغ، أو الترغيب بتقديم تنازلاتٍ في ملفاتٍ سياسية. وجدية التحقيق هذه إن تواصلت حتى النهاية، ستُحمّل جمهور المقاومة حملاً مضاعفاً يحتاج للكثير من الصبر وكظم الغيظ، حيث ستتخطى الاستفزازات حتى نمطيتها وسقوف المألوف.

ولكن استناداً لحديث السيد نصر الله، فمن الواضح أنّه سيدفع باتجاه ديمومة الجدية نحو العدالة أولاً، كما أنّه يثق بوعي جمهوره ثانياً، والجمهور يعرف أنّ الهدف هو أن تضيق أخلاقه عن بعض السفاهات.

. ورغم كل هذه المخاطر المحلية والدولية، إلّا أنّ حزب ال ل ه منفتح على كل الأطراف وكل الحلول، فقد تعاطى بإيجابية مع الزيارة الفرنسية، وكذلك سيفعل مع كل المبادرات إقليمية كانت أو دولية، فالحزب يعرف أنّ هذا وقت العمل لا التلاسن، فالتلاسن بالأصل ليس من أدبياته، فكيف في وقت الفاجعة، كما أنّه يتجنب الحلول مكان الدولة، وقد يكون هو الطرف الأكثر احتراماً لهذه القاعدة. ولكن إيجابية حزب ال ل ه مع كل المبادرات تظل ذات سقوفٍ معلنة مسبقاً، أن تكون بعيدة عن الشروط السياسية أو التشاطر السياسي، فلبنان لن يتنازل عن استقلاله وسيادته، ولن يتنازل عن حقوقه البرية والبحرية ولا ثرواته، ولن يتنازل عن مصدر قوته، ولن يقبل بتحقيق دولي تتم من خلاله الوصاية وتمييع القضية، وهذا ما يتوافق مع موقف الدولة اللبنانية ممثلة بالرئيس ميشال عون والحكومة.

ويبقى السؤال الأكثر إلحاحاً، هل سيعمل الغرب على تجاهل الحكومة اللبنانية فقط أم سيعمل على تفجيرها؟ من الواضح من سلوكيات الغرب أنّه أدرك أنّ الفراغ الحكومي لن يؤثر على حزب ال ل ه في ظل حكومة تصريف أعمال، كما أنّ لعبة الشارع لن تؤدي لصدامٍ حقيقي في ظل ما يراكم حزب ال ل ه من أخلاقٍ وجَلَد، كما أنّ انتخاباتٍ جديدة على ذات القانون الانتخابي سيُمنى بها حلفاء الغرب بالمزيد من الخسائر، وعليه فإنّ الأرجح إما أن تبقى حكومة حسان دياب أو يتم الذهاب إلى مؤتمر تأسيسي، أمّا إن تم إسقاط الحكومة والمجلس النيابي عبر سلاح الاستقالات، فيكون الغرب قد قرر فعلياً وضع اليد على لبنان بلا واسطة أطرافٍ محلية، ولكن في هذه الحالة يكون ارتكب حماقته الكبرى التي لا تصدر إلّا من رأسٍ كرأس نتن ياهو أو أطرافٍ إقليمية تشبهه.


تنويه | المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع

جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013