الكورونا سياسيا التقارير والمقالات | الكورونا سياسيا
تاريخ النشر: 19-03-2020

بقلم: الدكتور ابراهيم علّوش

بعيداً عن تراشق الاتهامات بين الصين والولايات المتحدة حول هوية المسؤول عن نشر فيروس الكورونا، ثمة مؤشرات، لا نقول بأنها أدلة قاطعة بحد ذاتها، ترجح أن يكون الكورونا مفتعلاً، كسلاح بيولوجي أمريكي ، ومنها :

1 - أنه انتشر في البداية، أكثر ما انتشر، في دولٍ تستهدفها الإدارة الأمريكية، مثل الصين وإيران.

2 - أنه أصاب عددا من المسؤولين الإيرانيين، من مدنيين وعسكريين، منذ البداية، بشكلٍ غير متناسب مع عدد السكان، وهو ما يوحي بالاستهداف المتعمد.

3 - أن إيطاليا التي انتشر فيها الوباء بشدة هي بوابة الصين التجارية والاستثمارية لأوروبا الغربية.

4 - أن الآراء العلمية تجمع على أن الفيروس لم يتطور بشكل طبيعي بل صنّع تصنيعاً في مختبرات.

5 - أن سيناريو نشر الفيروسات الفتاكة كسلاح إرهابي هو أحد عناصر مفهوم "حروب الجيل الخامس"، وأن مثل هذا السيناريو سبق أن تطرقت إليه هوليود في عددٍ من أفلامها.

المشكلة المنهجية طبعاً في اتهام الولايات المتحدة بأنها نشرت الفيروس عمداً , يصطدم بحقيقة ارتداده عليها خصوصاً، وعلى الغرب عموماً.

هنا لا بد من استحضار الفيروس التكفيري، والإرهاب الذي نتج عنه، كمثال على فيروس ارتد على صانعيه الغربيين، فراحوا يحاربونه، وهو ما خلط الأوراق حول منشأ ذلك الفيروس أيضاً. لكن الواقع هو أن الولايات المتحدة، بعقلها النفعي البراغماتي قصير النظر، وظفت الفيروس التكفيري لمحاربة الدول الاشتراكية وحركات التحرر الوطني على مدى عقود، واليوم ما برحت توظفه لمحاربة الدول المستقلة عن الإمبريالية، ولكن الفيروس، بطبيعته، لا يفقه ولا يعي، وهو ينتشر حيث يستطيع أن ينتشر، ولذلك وجدنا الغرب يدعمه ويحاربه في آنٍ معاً، يدعمه في عدد من الدول العربية والدول المستقلة مثل روسيا والصين، ويحاربه حيث يخرج عن المجال المسموح باللعب فيه، مثلاً، عندما اقترب من مناطق سيطرة الميليشيات الكردية في شمال العراق في زمن "داعش"، أو في الغرب ذاته.

الأمر الآخر هو أن انتشار الفيروس عالمياً أظهر نقطة ضعف بنيوية في المنظومة النيوليبرالية التي عملت جاهدة على إضعاف دور الدولة وتعزيز دور القطاع الخاص في مجال الرعاية الصحية مثلاً، وهو ما برح يكتب عنه كثيرون في الولايات المتحدة اليوم مع استفحال انتشار الكورونا الذي يمثل مشكلة عامة، وبالتالي تحتاج مواجهته إلى أداة عامة، أي إلى سلطة مركزية تمارس صلاحيات قسرية، من دون اعتبار للترهات الليبرالية حول "حرية الفرد" و"تحمل مسؤولية خياراته الفردية"، لأن خيار "س" حول عدم اكتراثه بمراعاة الإجراءات الصحية، ينعكس فوراً على "ص" من خلال انتشار العدوى إليه، وهنا ظهرت أفضلية الأنظمة المركزية في مواجهة مثل هذا التهديد الوجود للأمن العام، ولذلك نجحت الصين باحتواء الفيروس بفعالية على الغرب أن يخرج من جلده الأيديولوجي لكي يحققها.

باختصار، الغرب المفتون بخطابه الليبرالي، والغارق في وهم تفوق نظامه السياسي على كل ما عداه، لم يكن يتوقع أن تتمكن الصين من احتواء الفيروس بمثل هذه الفعالية، لذلك كان الارتداد الأساسي على نظامه الأيديولوجي الليبرالي، قبل أن يكون على منظومته الصحية.

النقطة الأخرى هي أن المحافظين في الغرب، كما ظهر من الحوارات في مجلس العموم البريطاني، يتبنون اطروحات مالتوسية ( نسبةً إلى مالتوس ) حول "بقاء الأقوى"، وقيام الطبيعة بتخفيض عدد السكان "الفائضين" عبر الأوبئة والحروب إلخ.. ولذلك دعا بعض المحافظين لترك فيروس الكورونا ينتشر ليحيا من لديه مناعة منه، بدلاً من إيقاف عجلة الحياة والاقتصاد، مما يعني عودة الفيروس مجدداً في الشتاء المقبل، حتى لو نجونا منه هذا الشتاء!

لفهم هذه النقطة لا بد من التذكير أن الغرب، ومنهم بعض البيئويين المتطرفين، مثل بعض أنصار الدفاع عن البيئة الذين يعتبرون "الإنسان" عدواً، يرون التهديد الأساسي للكوكب في تزايد السكان الذي يعدونه السبب الأساسي لانخفاض متوسط الدخل الفردي واستهلاك الموارد الطبيعية غير القابلة للتجدد، وحتى نظريات النمو الاقتصادي المعاصرة النيوكلاسيكية تنطلق من هذه الفرضية. ( انظر مثلاً دالة إنتاج الاقتصاد الكلي التي وضعها Romer, Mankiw, and Weil التي تفترض أن التزايد السكاني يقلل من متوسط الدخل الفردي، وأن الادخار الناتج عن انخفاض عدد السكان هو الذي يزيده، وبالتالي فإن رفع متوسط الدخل يتطلب تقليص عدد السكان أو تزايدهم ).

كما أن الغرب يعيش حالة رعب غوليٍ من التزايد السكاني الكبير في جنوب الكرة الأرضية وشرقها، ناهيك عن انزياح مركز الثقل الاقتصادي بعيداً عنه.. لذلك، فإن "دافع الجريمة" يتعلق بميزان القوى السكاني على الكوكب، لا الاقتصادي فحسب، ويتعلق بنظرية نفعية براغماتية ترى البشر كـ"فوائض" في العصر الرقمي.

بجميع الأحوال، الكورونا هو أحد انعكاسات أزمة النيوليبرالية والعقل الغربي، لا مجرد "فقدان سيطرة" على الأداة التي أنتجت ذلك الفيروس فحسب. وهي العقلية ذاتها التي ترى اليوم فرصاً لمراكمة أرباح مهولة من خلال السعي لاحتكار العلاج المضاد لكورونا.


تنويه | المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع

جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013