الإخوان.. تاريخ من المال الأسود التقارير والمقالات | الإخوان.. تاريخ من المال الأسود
تاريخ النشر: 12-01-2020

بقلم: محمد طعبمة

لم تصمد تجمعات الإخوان أمام إغراء المال الأسود لأكثر من عام بعد ثورة 30 يونية المصرية، فرغم وحدة "العدو والمنافى والملاحقات"، تشظت كواليسها أمام الفضاء العام بموجات متتالية من الاتهامات بين كوادرها وجبهاتها بنهب عشرات ملايين الدولارات، مدتها بها الدوحة وأنقرة لـ"جهاد إستعادة الشرعية من النظام العسكري في القاهرة"! لا جديد في المشهد، والأرجح سيتواصل لسنوات أخرى قادمة.

لظروف إجتماعية مُتفهمة، اعتمد التلميذ ثم الخريج، حسن البنا، على التاجر الثري، أحمد أفندي السكري، في تغطية نفقات بداياته. ومع تأسيس كيانه الخاص، الإخوان، تشبعت شرايين مرشده بالمال الأسود مجهول المصدر، أو المنهوب من أبار تبرعات الجهاد والزكاة. البنا سيطرد "كفيله ووكيله العام" السكري من الجماعة، عام 1947، لتقدمه بمذكرة تطالب بالتحقيق في فساد مالي واخلاقي غرقت فيه.

عاد البنا من الحجاز عام 1928 عقب لقاء جديد مع الملك عبدالعزيز والمعتمد الأمريكي، وأعلن تأسيس جماعته. بدأ بناء مقر عام لها في الإسماعيلية، أسفله مسجد خطط ليكون كبيرا. المتواتر، كما فبرك البنا، أن مدير شركة قناة السويس الفرنسي، رأى البناء مصادفة وطلب رسما ومذكرة بالمشروع، متعهدا بتيرع الشركة له ضمن أنشطتها الخيرية بمنطقة القناة. يقول أنه نسى الموضوع حتى فوجئ بالشركة تطلب منه الحضور لتسلم التبرع. كان 500 جنيه، مبلغ ضخم حسب عصره. غير أن د. مصطفى الحفناوي (1911- 1980) واضع الأساس القانوني لتأميم القناة، يكشف في مذكراته التي نشرها ابنه "علي" في باريس مايو الماضي، انه لم يجد المبلغ في خانة التبرعات بملفات الشركة الـ65 التي تسلمها عقب التأميم. من أين أتى البنا بالمبلغ؟ لا تسمح إمكانيات الملك عبدالعزيز، حينها، بدفعه. ولو كان كذلك.. لكان الأنسب لجماعة "ربانية" إعلانه بدلا من نسبته لـ"كُفار"، وفق أدبيات الإسلاميين. الأرجح انه من جهة غربية ما.

بعدها مباشرة، سيفتح البنا باب تمويل مع القصر، المك فؤاد ثم نجله فاروق، وعلاقة خاصة مع جلاد الشعب، إسماعيل صدقي، رئيس الوزراء لمرتين.. يونيو 1930-يناير 1933 وفبراير 1946 - ديسمبر 1946 في الثانية مول أول جريدة للجماعة وبناء مقرها العام في القاهرة، وستتحدث الوثائق الألمانية والبريطانية عن تمويل مزدوج للبنا. وبالتوازي نشط الإخوان في جمع زكاة الملايين بحجة إعادة توزيعها، وتبرعات "الجهاد ضد اليهود". وسيقدم لنا محمد حسنين هيكل وثائق في "العروش والجيوش" تؤكد ان متطوعي البناوية في فلسطين لم يصلوا أبدا إلى "140" مصريا!

سياقات معجونة بالشبهات. وسط فورة الحراك المصري السابق لـ 25 يناير، وصعود اسهم الجماعة في الساحة السياسية، والمال السياسي الذي نافست به الحزب الوطني في انتخابات 2005، تطايرت اتهامات الثراء غير المفهوم لشخصيات إخوانية بارزة، منهم عبدالمنعم ابوالفتوح ابن الأسرة الفقيرة، فرد بأن الشركات يملكها شقيقه أحمد، وكأن الأخ خرج من أسرة أخرى.. ثرية. ومع تكرار الجدل حول انفاق البناوية، أشهر عبدالله الخطيب، مفتي الجماعة، البديل 11 نوفمبر 2008، "حد الحرابة" في وجه الاتهامات.. "لأن أي نقد يوجه للجماعة يَمس الإسلام"! مع انتخابات 2010 تكررت الاتهامات، هذه المرة بين قيادات الإخوان، فطالب هيثم أبوخليل، هارب الآن لتركيا، بشفافية مالية الجماعة، فهدده قيادي أخر: "إللي ح يختلف معانا.. ح نعلّقه بلبوص"، وفق برنامج "مانشيت" الخميس 22 أكتوبر 2010، على قناة أون تي في.

هيثم كان بين كوادر شبابية وقيادات وسطى صدمتها مظاهر ثراء قيادات ومقربين منهم، فوقع خالد داود، عضو مجلس الشورى وقتها، على بيان يطالب بـ"تفعيل الرقابة على مؤسسات الجماعة المالية"، فرد زميله حمدي حسن مُهدداً بفضح "اتهامات مالية كثيرة" للأول. الطرفان ينتميان لشعبة الإسكندرية، والمخالفات التي ألمح حمدي لها ترتبط بشركات عقارية وتعليمية تتجاوز دفتريا 50 مليون جنيه، مُسجلة باسم ثلاث قيادات.

خلط الشخصي بالجماعي سياق عرفه البناوية منذ مؤسسهم. في جنازة القيادي محمد هلال فوجئ المشيعون ببنات المتوفى يصرخن في وجه نائب المرشد وقتها، محمد حبيب: "حسبنا الله ونعم الوكيل". كان، حسب الفجر 22 نوفمبر 2009، يطالبهن برد عدة ملايين قال ان والدهن استثمرها لحساب الجماعة، مع ضمان حصة مرضية لهن، فرفضن. حال أموال البنّاوية لدى القيادي الراحل محمد شاكر كانت أفضل نسبيا، فمع مرض وفاته تفاوض وأعاد تسجيل جزء من شركاته للمقاولات والسياحة باسم قيادات أخرى، مع وعد بمائة مليون جنيه إضافية.. وتوفى قبل أن يردها، ورغم ترحيب ابنته وزوجته الألمانيتين الجنسية بوصيته.. رفض إخوته تنفيذها.

خروج الفضائح المالية للعلن دفع الجماعة لإعادة ترتيب دفاترها والإمساك بـ"أوراق ضد" تثبت ملكيتها للإستثمارات لا لمن يظهرون كملاك لها. منهم خالد داود والقياديان جمعه أمين ومحمود شكري، وافق داود وشكري ورفض أمين.. ثم طلب تسجيل حصة باسم أولاده، فرفضت الجماعة. مثل أمين عشرات، بعضهم "فك" الشركات وهرب بأموالها للخارج كما "مجموعة مدارس مدينة نصر".

فضائح أكثر فجاجة عرفها المهجر، فعلها الملياردير يوسف ندا ضد الملياردير صلاح إبراهيم.. منافسه، وقتها، على ملف العلاقات الخارجية للجماعة، "علّقه بلبوص" على شاشة الجزيرة مع نجمها الإخوانجي أحمد منصور. ندا اتهم صلاح في ذمته المالية وبـ"صلات مشبوهة مع الأمن السويسري"، فرد الثاني ببيان يتهمه بفساد أفلس بنك التقوى، ورشوة منصور بـ"ثلاث شقق في مصر الجديدة، ثمن كل منها مليون جنيه" ذكر عناوينها، وبـ"أن منصور تلقى لأعوام رشوة سنوية نظير حلقات أذاعها معه، حوله فيها إلى أسطورة دعوية عالمية". البيان نشره موقع "المصريون" الإسلامي في 3 مارس 2007. لم يرد منصور، رغم أن صلاح كرر ما ورد به في أكثر من حوار. صلاح وندا ارتبط اسميهما ببنك التقوى وبفضيحة إفلاسه، كلاهما أقر بالتعاون مع مخابرات سويسرا لكشف ملابسات الإفلاس. والبنك، كان أول وأكبر تجربة مصرفية أُممية "ربانية"، رعتها أسماء بثقل يوسف القرضاوي وزغلول النجار.

مشرقياً، الأبرز هو صراع إخوان الأردن التاريخي مع فرعهم بغزة، حول استقلال حماس إدارياً ومالياً عنهم. ووفق القدس العربي 9 مايو 2009، والجزيرة نت 7 سبتمبر من ذات العام، الخلاف اشتد حول تبعية مكاتب الجماعة بالخليج، قبل تصفية أغلبها، فمنها كان يأتي معظم تمويل حماس.. تبرعاً واستثماراً. بالتوازي مع اتهامات فساد لاحقت شيوخ جمعية المركز الإسلامي، الذراع المالي لإخوان الأردن منذ عام 1965.

مغربياً، يمسك الزعيم الأسبق لـ"حمس" أبرز تجمعات إخوان الجزائر، أبوجرة سلطاني، بشركات الجماعة الأم وفروعها بالإقليم، يُوصف بأنه الذراع المالي لخيرت الشاطر في دول المغرب. فقط اعمل "سِيْرش" باسمه + فساد، واقرأ اتهامات "إخوانه" الجزائريين له بالفساد، داخل الجماعة وخلال توليه حقيبته الوزارية، قبل أن يضطر للاستقالة منها. سلطاني حاول ركوب مظاهرة للجالية في باريس، 21 أبريل الماضي، فطرد منها.

جنوباً تفضح ويكيليكس سرقاتهم، إذ تتحدث وثائقه عن استغلال النظام الإخواني المعزول فترة حكم المعزول عمر البشير لترسيخ هيمنة الجماعة على القطاع الخاص، مُوردة شهادة المدير الأسبق لشركة الصمغ العربي، موسى كرامة، بأن بنية الاقتصاد السوداني حرفت تماماً لمصلحة الإخوانجية. "كرامة" روى أن وزير التربية والتعليم الأسبق، إبراهيم أحمد عمر، توفي عام 2007، ورغم أنه لم يكن لخ دخل سوى راتب الوزارة، ترك 120 مليون دولار في حسابه، وحين حاولت زوجته الاستحواذ عليها "أفهمها" المؤتمر الوطني المنحل "أن الحزب أوكلها إليه مؤقتاً"، ونقلها إلى إخوانجي آخر.

عودة لوطن المؤسس، مع إكمال إجراءاتها قالت لجنة التخفظ على أموال الإخوان في مصر انها وضعت يدها على ممتلكات للجماعة تتجاوز "2" مليار جنيه. غير ان الباحث في شئون الإخوان، سامح فايز، الكادر التنظيمي الذي غادرهم قبل 25 يناير، ومؤلف كتاب "جنة الإخوان.. رحلة الخروج من الجماعة"، يقول أن الرقم "تافه جدا" مقارنة بتقديرات أي متابع عن قرب لاقتصاديات الإخوان.

هو "المال الأسود.. لا الإسلام هو الحل".. قانون البناوية.


تنويه | المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع

جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013