الممرات المائية الدولية الدراسات والتوثيق | الممرات المائية الدولية
تاريخ النشر: 24-12-2019

بقلم: ماهر ملندي

المضائق
القنوات البحرذية
تشكل الممرات المائية الدولية International straits والمكونة بفعل الطبيعة أو الإنسان منافذ مهمة على صعيد التواصل الإنساني بين الدول، وذلك رغم عدم وجود تعريف قانوني مقنَّن واضح ودقيق لهذا المصطلح. وقد استقر التعامل الدولي أن مفهوم الممرات المائية الدولية يشمل بصورة أساسية ثلاث فئات من الممرات، وهي: الأنهار الدولية التي تنظم استخدامِاتها عددٌ من الاتفاقيات الخاصة إضافة إلى اتفاقية برشلونة لعام 1923م حول الأنهار القابلة للملاحة ذات الأهمية الدولية، واتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997م حول قانون استخدام المجاري المائية الدولية للأغراض غير الملاحية، وهنالك أيضاً المضائق والقنوات البحرية التي تعد محور هذه الدراسة لكونها تتميِّز بخصوصية تماثل أنظمتها القانونية من حيث خضوعها لسيادة الدولة التي توجد على أراضيها أو تعبرها، لكنها تبقى سيادة محددة باحترام بعض الالتزامات الدولية المتعلقة بضمان حرية الملاحة والاتصالات وانسياب حركة التجارة الدولية.
أولاً ـ المضائق:
تُعرَّف المضائق جغرافياً بأنها ممرات طبيعية تصل بين بحرين. وهي تحتل أهمية بالغة من كل النواحي السياسية والاقتصادية؛ إذ تسهم في تسهيل حركة الملاحة والمواصلات الدولية، كما توفر للدولة الساحلية المطلة على المضيق إمكانية التحكم بمرور السفن الأجنبية عبره والتدخل بيسر خلال الأزمات. وفي السابق كانت المضائق تعد نقاطاً استراتيجية مهمة تتنازع القوى المتحاربة للسيطرة عليها عبر التحكم بمعابر الملاحة بوصفها عنصراً حاسماً للانتصار في المعركة.
وتنظِّم الملاحةُ في عدد من المضائق الدولية اتفاقياتٌ خاصة تمَّ عقدها في ظروف تاريخية وسياسية معينة، إلاَّ أن القسم الأعظم من هذه المضائق لا تزال حتى الآن من دون تنظيم قانوني خاص بها، بل تخضع للقواعد العامة. كما أن اتفاقيات جنيڤ لعام 1958 لم تتطرق إلى مسألة المضائق الدولية سوى بشكل وجيز وعابر (المادة /16/ من اتفاقية جنيڤ لعام 1958 حول البحر الإقليمي) في حين كرَّست اتفاقية عام 1982 حول قانون البحار الجزء الثالث منها (المواد 34 إلى 45) لبحث موضوع المضائق المستخدمة في الملاحة الدولية.
1ـ تعريف المضيق الدولي:
عرَّفت محكمة العدل الدولية المضيق الدولي بأنه الممر المائي الواصل بين جزأين من أعالي البحار والمستخدم لأغراض الملاحة الدولية (قضية مضيق كورفو لعام 1949م). أما اتفاقية جنيڤ لعام 1958م حول البحر الإقليمي فقد وسَّعت من مفهوم المضيق الدولي ليشمل ليس فقط الممر المستخدم للملاحة الدولية الذي يصل بين جزأين من البحر العالي، وإنما يتضمن أيضاً ذلك الممر الذي يربط جزءاً من البحر العالي بالبحر الإقليمي لدولة ما (المادة /16/ من اتفاقية جنيڤ لعام 1958 حول البحر الإقليمي والمنطقة المتاخمة). ولكن اتفاقية عام 1982م حول قانون البحار ميَّزت بين نوعين من المضائق المستخدمة للملاحة الدولية:
أ ـ المضيق الذي يصل بين جزء من أعالي البحار أو منطقة اقتصادية خالصة وجزء آخر من أعالي البحار أو منطقة اقتصادية خالصة. ويُطبَّق بشأنه نظام المرور العابر ونظام المرور البريء.
ب ـ المضيق الذي يقع بين جزء من أعالي البحار أو منطقة اقتصادية خالصة وبين البحر الإقليمي لدولة أجنبية، ويُطبَّق بصدده نظام المرور البريء فقط (المادتان /36/ و/37/ من اتفاقية عام 1982 حول قانون البحار).
وهنا تجدر الإشارة أنه يُعدّ المضيق من المياه الداخلية للدولة الساحلية إذا كان يقع بأكمله داخل أراضيها ولا يصل بين بحرين عامين، ولا يُعد كذلك من المضائق الدولية إذا كان المضيق يصل بين بحرين عامين أو بحر عام وبحر إقليمي، ولكنه لا يُستخدم للملاحة الدولية، هذا ما لم يوجد اتفاقات خاصة بشأنه. أما إذا كان المضيق واقعاً في أراضي أكثر من دولة ولا يصل بين بحرين عامين فتباشر حينها الدول الساحلية اختصاصاتها الوطنية فيما يتعلق ببحرها الإقليمي في مياه المضيق وفق قواعد القانون الدولي المستقرة بهذا الشأن.
2ـ نظام الملاحة في المضيق الدولي:
تخضع أغلب المضائق الدولية لقواعد قانونية عامة استقرت تدريجياً في القانون الدولي، هذا إضافة إلى بعض الأنظمة القانونية الخاصة التي تنظّم الملاحة في بعض المضائق الدولية، وذلك ضمن اتفاقيات خاصة.
وكانت محكمة العدل الدولية قد قرّرت في قضية مضيق كورفو لعام 1949م أنه من المسلَّم به وفقاً للقانون الدولي العرفي أنه يحق للدول إرسال سفنها عبر المضائق المستخدمة للملاحة الدولية والواصلة بين جزأين من البحار العالية من دون إذن مسبق من الدول الساحلية على أن يكون المرور بريئاً، ما لم يوجد حكم آخر في اتفاق دولي. كما لا يحق للدولة الساحلية أن تمنع مثل هذا المرور عبر المضائق وقت السلم. وهذا يعني أن أي مرور لا يتصف بالبراءة وينال من مقتضيات الأمن والسلامة في أعالي البحار يعدُّ غير جائز ويحق بالتالي للدولة الساحلية منعه إذا ما قامت به إحدى السفن التجارية الخاصة. أما السفن العامة والحربية فلا يجوز التعرض لها إطلاقا ما لم تقم بأعمال عدائية ضد الدولة الساحلية.
وهذا ما أخذت به اتفاقية جنيف لعام 1958م حول البحر الإقليمي، عندما حظَّرت إيقاف حق المرور البريء للسفن الأجنبية ـ خاصة كانت أو عامة أو حربية ـ في الممرات المستخدمة للملاحة الدولية بين جزء من البحر العالي وجزء آخر من البحر العالي أو البحر الإقليمي لدولة أجنبية (المادة /16/ من اتفاقية جنيڤ لعام 1958 حول البحر الإقليمي والمنطقة المتاخمة).
ولكن اتفاقية عام 1982م حول قانون البحار وضعت نظاماً متكاملاً للملاحة في المضائق الدولية يقسَّم إلى نوعين، وهما نظام المرور العابر ونظام المرور البريء.
أ ـ نظام المرور العابر: وبمقتضاه تتمتع كل السفن والطائرات بحرية الملاحة والتحليق من دون عوائق، ويهدف إلى العبور المتواصل والسريع في المضيق الذي يصل بين جزء من أعالي البحار أو منطقة اقتصادية خالصة وجزء من أعالي البحار أو منطقة اقتصادية خالصة، بما في ذلك لغرض الدخول إلى دولة مشاطئة للمضيق أو مغادرتها أو العودة منها. ويتوجب على كل السفن والطائرات في أثناء ممارستها حق المرور العابر التقيد بالالتزامات التاليـة:
1ـ الإبحار أو التحليق بشكل سريع ومتواصل ومن دون إبطاء داخل المضيق.
2ـ الامتناع عن القيام بأي أنشطة غير اعتيادية كالقيام بالتجارب العسكرية أو جمع المعلومات، مع حق الوقوف في حال تدخل ظروف قاهرة أو حالات ضرورية.
3ـ حظر التهديد بالقوة أو أي استعمال لها ضد سيادة الدولة المشاطئة للمضيق أو ضد سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي، أو بانتهاك مبادئ القانون الدولي المجسَّدة في ميثاق الأمم المتحدة.
4ـ الامتثال لجميع الأنظمة والإجراءات والممارسات الدولية المقبولة عموماً لضمان السلامة في البحر ومنع التصادم بين السفن والسيطرة على التلوث البحري.
5ـ مراعاة أنظمة الملاحة الجوية الموضوعة من قبل منظمة الطيران الدولية، والمطبقة على الطائرات المدنية خلال تحليقها فوق المضيق.
6ـ امتناع السفن الأجنبية بما في ذلك سفن البحث العلمي البحري عن القيام أثناء مرورها العابر بأي أنشطة بحث أو مسح من دون إذن مسبق من الدول المشاطئة للمضيق.
7ـ التزام السفن الأجنبية بالمرور عبر الممرات البحرية التي تحدّدها الدول المشاطئة للمضيق، والتي يحق لها أن تضع نظماً لتقسيم حركة المرور فيه بما يتفق مع الأنظمة الدولية المعتمدة.
8ـ تتحمل دولة علم السفينة أو دولة تسجيل الطائرة المسؤولية الدولية عن أي خسارة أو ضرر يلحق بالدول المشاطئة للمضيق نتيجة لذلك (المادتان /38/ و/39/ من اتفاقية عام 1982 الخاصة بقانون البحار).
كما يتوجب على الدول المشاطئة للمضيق ألا تعوق المرور العابر وأن تقوم بالإعلان المناسب عن أي خطر يكون لها علم به يهدّد الملاحة أو التحليق داخل المضيق أو فوقه. كما يتوجب عليها أن تعتمد قوانين وأنظمة بشأن المرور العابر في المضيق تتناول الأمور التالية كلها أو بعضها:
1ـ سلامة الملاحة، وتنظيم حركة المرور البحري.
2ـ منع التلوث وخفضه والسيطرة عليه.
3ـ منع الصيد في المضيق.
4ـ تحميل أو إنزال أي سلعة أو عملة أو شخص خلافاً لقوانين الدول المشاطئة وأنظمتها.
5ـ عدم التمييز قانوناً أو فعلاً بين السفن الأجنبية الذي قد يؤدي إلى إنكار حق المرور العابر أو الإخلال به.
6ـ الإعلان عن جميع القوانين والأنظمة التي تتخذها الدول المشاطئة بشأن المرور العابر.
ب ـ نظام المرور البريء: وهو يقتصر على الملاحة البحرية فقط ـ من دون الملاحة الجوية ـ في المضائق التي تصل بين جزء من أعالي البحار أو منطقة اقتصادية خالصة وبين البحر الإقليمي لدولة أجنبية. والمقصود بهذا النظام هو حق السفن التابعة لجميع الدول بعبور المضيق للدخول إلى البحر الإقليمي من دون الوصول إلى المياه الداخلية للدول المشاطئة أو للوصول إليها أو الخروج منها إلى أعالي البحار. وهو يتضمن حق وقوف السفن الأجنبية ورسوها في المياه الإقليمية بقدر ما يكون ذلك متصلاً بالملاحة العادية أو نتيجة ظروف قاهرة أو حادثة تعرضت لها السفن. وهكذا يتميَّز حق المرور البريء من حق المرور العابر بأنه يجوز إيقافه خلال عبور السفن في المضائق إذا أخلَّت السفينة بأمن الدول الساحلية وسلامتها أو بحسن النظام فيها. كما يحق لهذه الدولة فرض الرسوم مقابل خدمات تُقدَّم إلى السفن أثناء مرورها البريء في المضيق، ولم ترد مثل هذه الأحكام فيما يتعلق بالمرور العابر. وأخيراً لا يجوز للغواصات ممارسة حق المرور البريء في المياه الداخلية في المضيق سوى بالإبحار فوق سطح الماء، في حين يحق لها المرور العابر في المضيق من دون توافر هذا الشرط (المادة /39/ من اتفاقية عام 1982م حول قانون البحار).
3ـ الأنظمة الخاصة بالملاحة في المضائق الدولية:
يقدَّر حالياً عدد المضائق الدولية المستخدمة للملاحة الدولية ـ التي تصل بين جزأين من أعالي البحار أو منطقة اقتصادية خالصة أو بين جزء من أعالي البحار والمياه الإقليمية لدولة ماـ ما بين مئة ومئتي مضيق بحري. وقد تمَّ تنظيم الملاحة في أغلب هذه المضائق عبر عقد اتفاقيات دولية خاصة، تنص بمعظمها على ضمان حرية المرور في المضيق لمراكب كل الدول العامة والخاصة، وتحييد المضيق أثناء فترة النزاعات المسلحة، ومن هذه المضائق:
> مضيق ماجلان الذي يربط المحيط الأطلسي بالمحيط الهادئ عند الطرف الجنوبي للقارة الأمريكية، وتنظم الملاحة فيه معاهدة 1881م المعقودة بين الأرجنتين وتشيلي.
> مضيق ملقا الذي يقع في المحيط الهندي، وتخضع الملاحة فيه لنصوص اتفاقية عام 1977م بين أندونيسيا وماليزيا وسنغافورة.
> مضائق البوسفور والدردنيل، وتقع جميعها في الأراضي التركية. حيث يربط مضيق البوسفور البحر الأسود ببحر مرمرة، ويربط مضيق الدردنيل بحر مرمرة بالبحر المتوسط. وقد تمَّ عقد اتفاقيات بشأن تنظيم حرية المرور في هذه المضائق، كان آخرها اتفاقية مونترو لعام 1936م.
> مضيق جبل طارق الذي يصل بين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، حيث عد حراً للملاحة الدولية لمصلحة السفن التجارية والحربية كافة بموجب التصريح البريطاني الفرنسي لعام 1904م، والاتفاقية الإسبانية الفرنسية لعام 1912م، واتفاق طنجة لعام 1923م.
> مضيق باب المندب الذي يصل البحر الأحمر ببحر العرب ضمن المحيط الهندي، وتطل عليه ثلاث دول هي: أثيوبيا وجيبوتي واليمن. ويخضع للقواعد العامة فيما يتعلق بالملاحة في المضائق الدولية.
> مضيق هرمز، وهو يقع عند مدخل الخليج العربي، وتطل عليه إيران وسلطنة عمان التي تغطي مياهها الإقليمية كامل المساحة المائية للمضيق، وبالتالي لا يتوافر فيه ممر من مياه البحر العالي على امتداده، رغم أن مضيق هرمز يصل بين البحر العالي لخليج عمان بالبحر العالي للخليج العربي. ولا يخفى على أحد الأهمية الاستراتيجية لهذا المضيق لأنه المدخل والمخرج الوحيد للخليج العربي الذي يحتوي على مخزون نفطي هائل وتعبره يومياً العديد من ناقلات النفط العملاقة. وعلى الرغم من ذلك لم يتم حتى الآن تنظيم الملاحة في المضيق في اتفاقية دولية خاصة. ولكن جرى العرف على احترام حرية مرور جميع السفن عبره من دون قيد أو شرط، ومن دون أن ينال ذلك من النظام القانوني للمياه التي يتكون منها المضيق، وهي المياه الإقليمية لكلٍ من الدولتين المطلة على مضيق هرمز: إيران وسلطنة عمان.
> مضيق تيران، وهو يقع في شمال البحر الأحمر، ويصله بخليج العقبة. وهو يربط بين مياه أعالي البحار والبحار الإقليمية لكل من السعودية ومصر والأردن وفلسطين المحتلة. وبالتالي لا يطبق بشأنه نظام المرور العابر، وإنما تخضع الملاحة فيه لنظام المرور البريء باعتباره يصل بين جزء من أعالي البحار والمياه الإقليمية للدول المشاطئة. ولهذا أقدمت السلطات المصرية عام 1951 على إغلاق المضيق أمام السفن الإسرائيلية بسبب حالة الحرب التي كانت قائمة آنذاك؛ إذ إن مرور السفن الإسرائيلية يعدُّ من دون شك عملاً يهدّد أمن الدول العربية المشاطئة للمضيق وسلمها. وقد مارست مصر سيادتها على مضيق تيران بعد تنازل السعودية لها عن كل حقوقها في جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين عند مدخل المضيق، وذلك منذ عام 1950م حتى وقوع العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م حيث تمركزت قوات دولية في مدينة شرم الشيخ المطلة على المضيق، وهذا ما مكَّن السفن الإسرائيلية بعبوره بحرية تامة. وفي عام 1967م طلبت الحكومة المصرية سحب القوات الدولية وأعادت إغلاق المضيق أمام السفن الإسرائيلية لغاية وقوع نكبة حزيران، حيث استطاعت القوات الإسرائيلية أن تسيطر على صحراء سيناء، وهذا ما جعلها تتحكم بالمضيق. واستمر الوضع هكذا لحين توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لعام 1979م التي نصّت على ضمان حرية الملاحة في مضيق تيران وخليج العقبة. وهكذا استطاعت إسرائيل أن تأخذ بالمراوغة ما لم تستطع تحقيقه بواسطة القوة.
ثانياً ـ القنوات البحرية:
تشكّل القناة Canal ممراً أو مضيقاً اصطناعياً، يتم حفرها لتسهيل الملاحة الدولية وتيسيرها بين بحرين أو بين بحر ونهر، عبر اختصار المسافات والتكاليف. ومن الثابت عرفياً أن القناة البحرية التي تقع بكاملها داخل إقليم دولة واحدة تخضع كلياً لسيادة هذه الدولة ولاختصاصها الإقليمي حتى لو كانت تصل بين بحرين عامين.
وقد تمَّ عقد العديد من المعاهدات الدولية من أجل تنظيم الملاحة في معظم القنوات التي تشكَّل ممراً رئيسياً للملاحة والمواصلات والتجارة الدولية. وربما لهذا السبب لم تتضمن اتفاقيات جنيڤ لعام 1958 و1982 حول قانون البحار أي نص يتعلق بهذا الموضوع. ولكن يُستخلص من أحكام هذه المعاهدات بعض المبادئ المستقرة بهذا الشأن وأهمها:
1ـ تخضع ملكية القنوات البحرية للدول التي تقع على أراضيها والتي تمارس عليها كل مظاهر السيادة والاختصاص الإقليمي، وكذلك على السفن التجارية الراسية في موانئ هذه الدولة.
2ـ إقرار مبدأ حرية الملاحة في القناة بالنسبة إلى السفن التجارية لكل دول العالم وقت السلم.
3ـ يجوز للدول التي تقع فيها القناة إغلاقها في مواجهة سفن العدو في أثناء فترة الحرب.
وحالياً هنالك ثلاث قنوات بحرية ذات أهمية حيوية على صعيد الملاحة الدولية، وتخضع لأنظمة قانونية خاصة مستمدة من نصوص اتفاقيات دولية تمَّ عقدها بهذا الشأن، وهي قناة السويس وكييل وبنما.
1ـ قناة السويس:
وتقع بأكملها في الأراضي المصرية، وهي تصل البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر، ويبلغ طولها 160كم. وقد تمَّ افتتاحها عام 1869م خلال العهد العثماني، وقد جرت مفاوضات شاقة إثر الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882م إلى أن تمَّ التوصل إلى عقد اتفاقية القسطنطينية بتاريخ 29/10/1888م بين كل من الدولة العثمانية التي كانت تمثِّل مصر آنذاك، إضافة إلى بريطانيا وألمانيا والنمسا وإيطاليا وإسبانيا وهولندا وروسيا. وقد وضعت هذه الاتفاقية حداً للمحاولات البريطانية من أجل الاستئثار بموارد القناة واستخدامها للأغراض العسكرية. حيث يمكن تلخيص النظام القانوني للملاحة في قناة السويس على حسب ما أقرَّته اتفاقية القسطنطينية، كالآتي:
1ـ حرية الملاحة مضمونة في القناة لجميع المراكب التجارية والحربية أيَّاً تكن الدولة التي ترفع السفينة علمها، سواء أكان ذلك في أثناء فترة السلم أم الحرب.
2ـ يكون لجميع الدول حقوقاً متساوية فيما يتعلق بالمرور في القناة ولا يجوز التمييز في المعاملة بين السفن العابرة.
3ـ تتعهَّد الدول المتعاقدة بألاَّ تقوم بأي عمل من شأنه إعاقة الملاحة في القناة.
4ـ لا يجوز لأي من الدول المتعاقدة أن تسعى إلى الحصول على أي مزايا إقليمية أو أي امتيازات أخرى فيما يتعلق باستعمال القناة.
5ـ يحظَّر على الدول المحاربة مباشرة الأعمال العدائية في القناة أو الإتيان بأي عمل من شأنه الإضرار بسلامة الملاحة فيها، وذلك حتى مسافة ثلاثة أميال بحرية تبدأ من مدخل القناة ومخرجها.
6ـ تمتنع الدول المحاربة عن إنزال أو تحميل أي ذخائر أو أسلحة أو معدات حربية أو جنود في القناة أو في أحد موانئها إلاَّ في حالة الضرورة القصوى.
7ـ لا يحق للسفن الحربية العائدة للدول المتحاربة أن تمكث في موانئ القناة أكثر من أربع وعشرين ساعة إلاَّ في حالة الضرورة الملحة، وعليها أن تعبر القناة بأسرع وقت ممكن.
هذا وقد استمر النظام القانوني الدولي لقناة السويس ساري المفعول لغاية الحرب العالمية الأولى، عندما فرضت بريطانيا حمايتها على مصر، وتولّت بالتالي ممارسة كل الحقوق التي كانت تتمتع بها الدولة العثمانية على قناة السويس وفقاً لاتفاقية القسطنطينية. وهذا ما اعترفت به صراحة معاهدة فرساي للصلح لعام 1919م وكذلك معاهدة لوزان لعام 1923م. ولم يتبدَّل هذا الوضع أيضاً بعد عقد المعاهدة البريطانية المصرية لعام 1936 التي منحت القوات البريطانية حق التمركز بجوار القناة، ثم إلغاء هذه المعاهدة بإعلان مصري وحيد الطرف عام 1951م. ثم عقدت الدولتان عام 1954م اتفاقية جلاء القوات البريطانية تدريجياً عن منطقة القناة خلال فترة لا تتجاوز مطلع عام 1956 وهذا ما تحقق فعلاً فيما بعد. حيث قامت السلطات المصرية بمنع السفن الإسرائيلية من عبور القناة إلى أن أصدرت القانون رقم /285/ تاريخ 26/7/1956م القاضي بتأميم شركة قناة السويس مع الالتزام بضمان الملاحة فيها، وذلك في أعقاب إعلان البنك الدولي للتعمير والتنمية عن سحب عرضه الخاص بتمويل مشروع السد العالي في أسوان. وهذا ما أدى إلى وقوع العدوان الثلاثي على مصر الذي كان مهيأً له مسبقاً بين فرنسا وبريطانيا وإسرائيل. وبعد انسحاب القوات الغازية أعادت القوات المصرية فتح القناة للملاحة بعد تطهيرها، ثم أصدرت الحكومة المصرية تصريحين عام 1957 تؤكد فيهما عزمها على الاستمرار باحترام اتفاقية القسطنطينية لعام 1888م فيما يتعلق بضمان حرية الملاحة في قناة السويس وصيانتها وإدارتها بواسطة هيئة مصرية مستقلة، وعلى أن تتم تسوية المنازعات التي تنشأ بخصوص تطبيق الاتفاقية وتفسيرها المذكورة طبقاً لأحكام ميثاق الأمم المتحدة، بما في ذلك اللجوء إلى محكمة العدل الدولية. علماً بأن السلطات المصرية كانت قد دفعت كل التعويضات المستحقة لمساهمي الشركة المؤممة على شكل أقساط تمَّ استيفاؤها بالكامل عام 1964م. ولكن ما لبثت أن تعطلت الملاحة من جديد في القناة إثر نكسة حزيران لعام 1967م وقيام القوات الإسرائيلية باحتلال شبه جزيرة سيناء وتمركزها على الضفة الشرقية للقناة. وقد أعادت القوات المصرية سيطرتها على كامل القناة إثر حرب تشرين لعام 1973م وأعادت تطهيرها وفتحها للملاحة الدولية منذ عام 1975م. ثم عادت السفن الإسرائيلية لكي تعبر القناة بعد عقد اتفاقيات كامب ديفيد لعام 1978م، ثم اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية لعام 1979م. واستقر بالتالي النظام القانوني الخاص بقناة السويس وفق اتفاقية القسطنطينية.
2ـ قناة كييل:
وتصل بين بحر الشمال وبحر البلطيق، ويبلغ طولها 98كم وتقع بأكملها في ألمانيا التي تمارس السيادة عليها. وقد تمَّ افتتاح القناة للملاحة منذ عام 1896 عندما قامت السلطات الألمانية بالسماح للسفن الأجنبية بالمرور عبرها بناء على إذن مسبق منها وبعد أداء الرسوم المتوجبة. كما أعلنت الحكومة الألمانية مراراً بأن الملاحة في قناة كييل حرة لجميع الدول، ولكن يجوز إغلاقها أو تقييد الملاحة بمواجهة أي سفينة مهما يكن العلم الذي تحمله. وبعد الهزيمة الألمانية في الحرب العالمية الأولى وضع الحلفاء نظاماً دولياً للقناة ضمن معاهدة ڤرساي لعام 1919م (المواد 380ـ 386) ينص على ضمان حرية الملاحة فيها لكل السفن التجارية والحربية العائدة لجميع الدول التي تكون في حالة سلم مع ألمانيا وعلى قدم المساواة من دون تمييز في المعاملة. هذا وقد أصدرت محكمة العدل الدولية الدائمة عام 1923م أول أحكامها في قضية الباخرة ويمبلدون، وهي باخرة بريطانية منعتها السلطات الألمانية من عبور القناة بذريعة أنها كانت تحمل شحنة من الأسلحة والعتاد من فرنسا باتجاه بولونيا التي كانت في حالة حرب مع روسيا، وكانت ألمانيا محايدة في ذلك الوقت ولا ترغب بانتهاك قواعد الحياد من قبلها. ولكن لم تأخذ المحكمة بهذه الحجج، حيث أكَّدت أن ألمانيا ملزمة بموجب نصوص معاهدة ڤرساي بعدم منع السفن الأجنبية المرور في القناة إلاّ إذا كانت سفناً تابعة لدولة في حالة حرب مع ألمانيا أو يكون الحظر لضرورات أمنية أو جمركية أو صحية؛ لذلك يتوجب على الحكومة الألمانية دفع تعويضات مناسبة لمستأجري السفينة نتيجة الخسائر التي تكبدوها. وقبل بدء الحرب العالمية الثانية ألغت السلطات الألمانية النظام الدولي لقناة كييل لحين استسلامها للحلفاء، حيث أعادت الوضع إلى ما كان عليه من جديد، ولا يزال.
3ـ قناة بنما:
وهي تصل بين المحيطين الأطلسي والهادئ، ويبلغ طولها 81كم حيث تقع برمتها في الأراضي البنمية. وقد تم افتتاحها للملاحة عام 1914 بإشراف الولايات المتحدة الأمريكية التي وقعت على التوالي معاهدتين في عام 1901 مع بريطانيا وفي عام 1903 مع بنما. وتنص هاتان المعاهدتان على أن ملكية القناة تعود للولايات المتحدة الأمريكية التي تضمن حرية الملاحة فيها لكل المراكب التجارية والحربية بغض النظر عن الدولة التي ترفع علمها، وكذلك تتعهد بعدم جواز القيام بأعمال عدائية في منطقة القناة أو في المياه الإقليمية المجاورة. وفي عام 1977 تم عقد اتفاقيتين جديدتين بين الولايات المتحدة الأمريكية وبنما، وذلك أثر ضغوطات شعبية، وتنص الاتفاقيتان على أن تتنازل الولايات المتحدة عن إدارة القناة لدولة بنما تدريجياً لغاية عام 2000 حيث تنتقل ملكيتها وعوائدها بالكامل إلى بنما. وهذا ما حصل فعلاً في التاريخ المحدد لذلك.
مراجع للاستزادة:
ـ إبراهيم الدغمة، القانون الدولي الجديد للبحار (دار النهضة العربية، القاهرة 1983م).
ـ بدرية عبد الله العوضي، الأحكام العامة في القانون الدولي للبحار (الكويت 1988م).
ـ صلاح الدين عامر، القانون الدولي الجديد للبحار (دار النهضة العربية، القاهرة 1983م).
ـ محمد الحاج حمود، القانون الدولي للبحار (مطبعة الأديب، بغداد 1990م).


جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013