الجاسوس المصري الذي زرعته اسرائيل في القصر الجمهوري- (الجزء الأول ، والجزء الثاني ) المقاومة القانونية | توثيق جرائم الصهيونية | الجاسوس المصري الذي زرعته اسرائيل في القصر الجمهوري- (الجزء الأول ، والجزء الثاني )
تاريخ النشر: 07-09-2019

بقلم: وثائق حقيقية وعبر

🔴 الجـــزء الأول :
لم يكن هذا الجاسوس يجلس في المقاهي والنوادي وينصت للأخبار ويرسلها لمن يعمل لحسابهم، ولم يكن يتلصص على المنشآت العسكرية والاقتصادية ليرسل عنها تقارير، بل اخترق أعلى مؤسسة سيادية في البلاد، لقد اخترق القصر الجمهوري، وكان مصدره رئيس الجمهورية شخصيا، إنه الجاسوس الشهير علي العطفي الذي كان المدلّك الخاص للرئيس المصري الراحل أنور السادات، وظل على مدى 7 سنوات داخل القصر الجمهوري يعمل لحساب “الموساد” الإسرائيلي من دون أن يكتشفه أحد، ومن هنا كانت قصته ذات التفاصيل المثيرة.
“في بداية الثمانينات من القرن الماضي ظهر في مصر كتاب يحمل اسم “علي العطفي”، وكانت تلك أول مرة يخرج فيها اسم العطفي الى الرأي العام، فأثار ضجة كبيرة في مصر والدول العربية.
جاء في الكتاب المنسوب إليه أنه هو الذي قتل الرئيس جمال عبدالناصر، على أساس أنه كان مدلكه الخاص، وتسبب في موته عن طريق تدليكه بكريم مسمّم، تغلغل في جسده ببطء ثم قتله،
وذلك معناه أن المخابرات الإسرائيلية كانت اخترقت منزل عبدالناصر وفراشه، وتسببت الإشاعة في حدوث بلبلة في مصر، زاد حدتها ما قاله الزعيم الصيني شوان لاي لأول وفد مصري زار الصين بعد وفاة عبدالناصر، وكان الوفد برئاسة السيد حسين الشافعي نائب رئيس الجمهورية في ذاك الحين، وقد قال الشافعي، في مذكراته التي نشرها قبل 20 عاماً، إن لاي قال لهم “لقد كان عندكم رجل ثروة لكنكم فرطتم فيه”، وفهم أعضاء الوفد المصري أنه كان يقصد ترك أمر علاج عبدالناصر للسوفيات، فقد بقي لفترة يتلقى العلاج الطبيعي في مصحة تسخالطوبو السوفياتية عام يدلكونه بها، ووقتها، وبعد ظهور الكتاب، تذكر الجميع تلك الواقعة 1966، وأنه من الممكن أن يكون السوفيات دسوا له نوعا من السموم في المراهم التي كانوا وأيقن الكل بأن عبدالناصر مات مقتولا، لكن ليس بأيدي السوفيات بل بيد الموساد الإسرائيلي عن طريق عميلهم علي العطفي.
وراحت الصحف وقتها تفيض في نشر كل ما يتعلق بالموضوع،
ظلت الإشاعة قائمة يصدّقها البعض ويكذّبها البعض الآخر، حتى تولى السيد سامي شرف مدير مكتب عبدالناصر ووزير شؤون رئاسة الجمهورية، الرد عليها، ونشر على لسانه في عدد جريدة الوفد رقم 1085 الصادر في 9 ديسمبر (كانون الأول) 2004 أن العطفي لم يتعامل مع عبدالناصر بأي شكل سواء مباشر أو غير مباشر، وتحدى شرف أن يكون اسم العطفي مدرجا في سجلات الزيارة الخاصة بالرئيس والمحفوظة برئاسة الجمهورية، ثم تصدت أقلام أخرى ودحضت ما جاء في الكتاب المجهول الذي نشر منسوبًا الى العطفي وهو في السجن، واتضح أن الاخير جنِّد في الموساد بعد موت عبدالناصر، كذلك خلت أوراق القضية التي تحمل رقم 4 لسنة 1979 تماما من ذكر أي علاقة له بالرئيس عبدالناصر.
كان سبب انتشار الإشاعة أن العطفي حين اكتشف أمره أحيل الى المحاكمة في تكتم شديد، فقد أصدر السادات تعليمات مشددة للإعلام بالتكتم على الخبر الفضيحة، فماذا يقول الشعب حينما يرى أن “الموساد” اخترق منزل رئيس الجمهورية؟!! آثر السادات أن يتجرع مرارة الضربة بمفرده،
ومن هنا كثرت الإشاعات والأقاويل حول حقيقة العطفي ودوره بعد انكشاف أمره بعد وفاة الرئيس السادات.
تقول بيانات الجاسوس إن اسمه علي خليل العطفي، من مواليد حي السيدة زينب في القاهرة عام 1922، لم يحصل سوى على الشهادة الإعدادية فحسب، وبعدها عمل كصبي بقال، ثم عامل في أحد الأفران، ثم عامل في إحدى الصيدليات، ثم انتهى به المطاف للعمل في مهنة مدلّك، وكانت مهنة غير منتشرة في ذلك الوقت، ولا يهتم بها سوى الطبقة الأرستقراطية. عمل العطفي كمساعد لأحد المدلكين الأجانب، وبعد قيام الثورة، رحلت غالبية الأجانب من مصر، وخلت الساحة له، كون ممارسي مهنة التدليك من الأجانب، فكثر الطلب عليه، وازدحمت أجندة مواعيده، وراح يتنقل من
قصر فلان إلى فيلا فلان، وكثر اختلاطه بعلية القوم، وأعطى لنفسه لقب “خبير” علاج طبيعي،
وكان هذا المصطلح حديث عهد في مصر، فلما ظهرت الحاجة لوجود العلاج الطبيعي في مصر ونشره كعلم ومهنة وجد لنفسه مكانا بين رواده، فانضم الى قائمة مدربي العلاج الطبيعي في معاهد التربية الرياضية في مصر، وبدأت الدولة ترسل خريجي تلك المعاهد في بعثات تدريبية الى أوروبا والولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، فعاد هؤلاء إلى مصر وهم يحملون درجات الدكتوراه.
عام 1963 وجد العطفي اسمه في كشوف من تمت الموافقة على سفرهم الى الولايات المتحدة الأميركية، فوجد أن أمامه فرصة ذهبية للوصول الى أعلى المناصب لو حصل على الدكتوراه، لكن كيف وهو ليس معه سوى الشهادة الإعدادية، بحسب اعترافاته في ما بعد، أنه استطاع الحصول عليها من رجال الموساد في سفارة إسرائيل في أمستردام، حيث عاش فترة في هولندا وتزوج منها، وحصل على الجنسية الهولندية، وأصبح هناك مبرر لسفرياته الكثيرة والتي كانت تتم كغطاء لنشاطه التجسسي، وبعد ذلك وبموجب شهادة الدكتوراه المزوّرة عمل أستاذا في معاهد التربية الرياضية، وانتُخب رئيسا للاتحاد المصري للعلاج الطبيعي، وكان أول عميد للمعهد العالي للعلاج الطبيعى في مصر منذ إنشائه عام 1972 حتى قُبض عليه في 18 مارس (آذار) 1979.
ارتبط العطفي من خلال عمله بشبكة علاقات قوية بكبار المسؤولين في مصر، وكان في مقدمة أصدقائه السيد كمال حسن علي أحد من تولوا رئاسة جهاز المخابرات العامة المصرية، ورئاسة الوزراء في مصر، والسيد عثمان أحمد عثمان صهر السادات وصاحب أكبر شركة مقاولات في مصر وقتها. كان طريقه لتلك الصداقات صديق عمره الكابتن عبده صالح الوحش نجم النادي الأهلي في ذلك الحين، والمدير الفني للمنتخب الكروي المصري وقتها، الذي جعله المشرف على الفريق الطبي للنادي الأهلي، فتعددت علاقاته، حتى أصبح المدلك الخاص لرئيس الجمهورية بدءاً من عام 1972.
كشفت التحقيقات التي أجريت مع العطفي 1922، لم يحصل سوى على الشهادة الإعدادية فحسب، وبعدها عمل كصبي بقال، ثم عامل في أنه هو الذي سعى الى المخابرات الإسرائيلية بنفسه عن طريق سفارتهم في هولندا، وتبين لرجال الموساد أنه شخص ليس له عزيز، وصديقه الوحيد في الدنيا هو المال، وليس له أي انتماء لوطنه ولا يتقيد بأي مبدأ، وبالتالي تمت الموافقة على اعتماده كعميل مخلص لهم.
بعد الموافقة على تجنيده تم الاتصال به من القاهرة عن طريق أحد عملاء الموساد وطلب منه سرعة السفر إلى أمستردام، وبعد أربعة أيام كان هناك من دون أن يعرف لماذا طلبوه هناك، وما هي المهمة المكلّف بها، ومن سوف يلتقي به، وظل يتجول في شوارعها وبين حدائقها، حتى وجد فتاة تصدم به وهو يسير في إحدى الحدائق، وكادت تقع على الأرض، ولما حاول مساعدتها وجدها تناديه باسمه وتطلب منه قراءة الورقة التي وضعتها في جيب معطفه من دون أن يشعر! ثم اختفت الفتاة خلال ثوان بالكيفية نفسها التي ظهرت بها.
.******************************************************************************************************************************
يــــــتــــبع :
=====
🔴 الجـــــــزء الثــــاني:
مد العطفي يده لجيب معطفه وقرأ الورقة التي دستها الفتاة المجهولة، وكان فيها عنوان مطلوب منه أن يذهب إليه في اليوم نفسه بعد ساعات عدة، وعندما وصل الى بداية الشارع الذي فيه العنوان المذكور وجد سيارة سوداء تقف بجواره ويطلب منه سائقها أن يركب بسرعة، وبمجرد أن دلف داخل السيارة وانطلقت به فوجىء بالفتاة المجهولة التي أعطته الورقة بجواره.
توقفت السيارة بالعطفي وبصحبته الفتاة المجهولة، أمام إحدى البنايات!! سار خلف الفتاة بين ردهات عدة حتى وصل الى حجرة ذات تجهيزات خاصة، كان فيها شخص ذو ملامح مصرية، وقف يستقبله قائلا: إيلي برغمان ضابط “الموساد” المكلف بك، ولدت وعشت حتى بدايات شبابي في القاهرة، ثم هاجرت مع أسرتي الى إسرائيل. ثم بدأ الاتفاق على تفاصيل العمل، فأخبره برغمان بأنه سيخضع لدورات تدريبية مكثفة، واتفق معه أيضا على المقابل الذي سيأخذه نظير خدماته لـ”الموساد”، وعُرض على جهاز كشف الكذب قبل أن تبدأ تدريباته على أعمال التجسّس.
المهمّة المستحيلة
كان برنامج التدريب الذي خضع له العطفي يركز على تأهيله ليكون نواة لشبكة جاسوسية تخترق الوسط الطبي والأكاديمي في مصر، فدُرّب على استخدام أجهزة الإرسال والاستقبال بالشفرة، وتصوير المستندات بكاميرات دقيقة، واستخدام الحبر السري، كذلك تضمن التدريب تأهيله نفسيا ومعنويا للتعامل مع المجتمع بوضعه الجديد، حتى أصبح العطفي مؤهلا تماما للقيام بالعمليات التجسسية لصالح الموساد الإسرائيلي داخل مصر.
لكن برغمان كان ينظر للعطفي نظرة طموحة، ويرى فيه فرصة ذهبية تستحق أن تُقتنص، فقررأن يطرح ما يفكر فيه على رئيس الموساد، وفي اجتماع موسع ضم رؤساء أفرع الموساد وكبار قادتها، فتح برغمان حقيبته وأخرج منها ملفات عدة سلم لكل شخص نسخة منها، وبدأ يطرح فكرته فقال: الدكتور العطفي متخصص في العلاج الطبيعي، وهو أحدث التخصصات الطبية في مصر، وقلة عدد الأطباء والأساتذة في هذا التخصص سوف تعطي له فرصة كبيرة للتميز في مجاله بقليل من المساعدات العلمية التي نقدمها له، حيث نستطيع أن نمده بأحدث الأدوية والكريمات، وندعوه لمؤتمرات علمية دولية في هذا التخصص، ونمول حملة دعائية عنه في مصر وخارجها، لتتردد عليه الشخصيات المهمة ذات المراكز العالية في الدولة، ليصبح قريبا من معاقل صنع القرار، ثم نصل لتنفيذ الفكرة التي تدور في خاطري، وهي أن الرئيس السادات يحرص على أن يكون بين أفراد طاقمه الطبي مدلّك خاص، فلماذا لا نحاول لأن يكون العطفي هو المدلّك الخاص للرئيس السادات؟ سيحتاج الأمر وقتا ليس بقصير ولمجهود كبير، لكننا سنخترق مؤسسة الرئاسة، وتكون حياة الرئيس المصري بين أيدينا!
استمع رئيس الموساد وقادته لفكرة برغمان، وطلب من الحضور التصويت على الفكرة برفضها أو الموافقة عليها، وعلى مدى ساعات عدة ناقش الحضور الفكرة بكل تفاصيلها، وفي نهاية الأمر نجح برغمان في الحصول على موافقة الغالبية على فكرته، وتقرر سفره إلى هولندا لبدء تجهيز العطفي للمهمة الجديدة والتي أطلق عليها “المهمة المستحيلة”.
الجاسوس المجهول
عاد العطفي إلى مصر وتسلّم من مندوب “الموساد” أدوات عمله كجاسوس، من حبر سري وشفرة، وجهاز إرسال واستقبال، وكاميرا دقيقة، ولم يكن يعرف شيئا عما خطّطه برغمان له، وخلال المرات التي سافر فيها إلى هولندا كان يُدرّب في أرقى المستشفيات التي تقوم بالعلاج الطبيعي، حتى أصبح بالفعل خبير تدليك، وتوالت عليه الدعوات من جامعات عدة ليحاضر فيها في تخصّصه، وطاردته الصحف المصرية والأجنبية لإجراء حوارات معه، وكان ذلك كله جزءاً من السيناريو الذي أعده برغمان له ليكون مدلّك السادات.
في تلك الأثناء افتُتح في مصر أول معهد للعلاج الطبيعي، واختير العطفي ليكون أول عميد له، وذات يوم بينما هو في مكتبه بالمعهد فوجىء بمكتب رئيس ديوان رئيس الجمهورية يطلبه.
خرج العطفي من المقابلة وهو لا يصدق أنه أصبح أحد أطباء رئيس الجمهورية، وخُصِّصت سيارة من رئاسة الجمهورية تأخذه كل يوم من بيته بحي الزمالك إلى حيث يوجد السادات في أي من قصور الرئاسة المتعددة. امتد عمله أيضا الى جميع أفراد أسرة الرئيس، وأصبح مقربا جدا من السادات، فهو الرجل الذي يدخل عليه وهو شبه عار ويسلم نفسه له، وتدريجيا اتسع نفوذه
وزادت صلاحياته، ووصل الأمر إلى أن قاعة كبار الزوار في مطار القاهرة كانت تفتح له، وبالتالي كان من المستحيل أن تفتَّش حقائبه!
خلال تلك الفترة لم يدخر العطفي وسعا في إمداد الموساد بكل ما يتاح أمامه من معلومات، وشمل ذلك كل ما يدور في القصر الجمهوري، من مقابلات وحوارات. اطمأن العطفي تماما إلى أنه من المستحيل كشف أمره، وبدأ يتخلى عن حرصه، وبعدما كان يطوف جميع أحياء القاهرة، بل وغالبية مدن مصر بسيارته، ليلقي بخطاباته إلى “الموساد”، وبعدما كان في كل مرة يلقي برسالته في صندوق مختلف عن سابقه، أصبح يلقي بخطاباته تلك في أقرب صندوق بريد يقابله بجوار المعهد أو النادي. كثرت سفرياته الى خارج مصر بحجج مختلفة، وبعدما كان يعمد لختم جوازه بتأشيرات مزورة لبلاد لم يزرها أصبح لا يهتم بذلك، بل يخرج من البلاد ويدخل وفي حقيبة يده ما يدينه بالتجسس، وكان تخلّيه عن حرصه هذا هو سبب اكتشافه.
في آخر زيارة له الى أمستردام، قبل القبض عليه، وصلت به الجرأة أن يتوجه إلى مقر السفارة الإسرائيلية على قدميه أكثر من مرة، وهو الشخص الذي أصبح من الشخصيات العامة المعروفة، وفي إحدى تلك الزيارات التقطته عيون المخابرات المصرية، وصوِّر بصحبة عدد من رجال الموساد المعروفين لضباط المخابرات المصرية، وأُرسلت الصور إلى القاهرة، وكانت أجهزة
المخابرات المصرية على مدى أشهر عدة سابقة لتلك الواقعة في حيرة شديدة بسبب يقينها من وجود جاسوس مجهول في مكان حسّاس ولا تعرف من هو، وكان لدى المخابرات المصرية معلومات مؤكدة بأن هذا الجاسوس المجهول ينقل لإسرائيل أسراراً دقيقة عن شؤون رئاسة الجمهورية، وعن حياة الرئيس الخاصة، فخُصِّص ملف في المخابرات المصرية باسم “الجاسوس المجهول” تشير بياناته إلى أنه قريب جدا من دائرة صنع القرار السياسي، فهو يبلّغ إسرائيل أولا بأول كل تحرّكات الرئيس السادات.
تسلم الملف العميد محمد نسيم، الشهير بنسيم قلب الأسد، أحد أكفأ ضباط جهاز المخابرات المصريين على مدى تاريخه، وبدأ نسيم تحرياته المكثفة للكشف عن سر الجاسوس المجهول
الجاسوس الخائن:
كان العميد محمد نسيم هو المسؤول عن ملف العطفي، ولأيام عدة لم تر عيناه النوم، الى أن اكتمل ذلك الملف وضم أدلة كثيرة على إدانته، فعُرض على الرئيس السادات شخصيًا. في البداية شكك السادات في صحة المعلومات التي قدمها له رئيس المخابرات المصرية، وسأله عن الضابط المسؤول عن ملف العطفي، فلما علم بأنه محمد نسيم صدّق كل كلمة لثقته الشديدة بالأخير. ولشدة خصوصية الموضوع ومدى حساسيته.
يـــــــتـــبع الجزء الثالث ، والجزء الرابع :
=========================


جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013