جامعة الأمة العربية
جامعة الأمة المقاومة

×

الصفحة الرئيسية التقارير والمقالات

الحرب في المقدّمات والنّتائج والمواجهة والدّولة كمشروع في الفعل وردّ الفعل | بقلم: اللواء الدكتور بهجت سليمان
الحرب في المقدّمات والنّتائج والمواجهة والدّولة كمشروع في الفعل وردّ الفعل



بقلم: اللواء الدكتور بهجت سليمان  
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب
22-04-2018 - 1471
- سقطت / روما / عندما أصبح لديها من الرّهبان ، أكثر ممّا كان لديها من الجنود / ڤولتير؟
يُراهن الفكرُ الأوربّيّ ، و الغربيّ عموماً ، على أنّنا في الشّرق العربيّ أقوامٌ و شعوبٌ لا نُجيد التّفكير. نحن نُدرك هذا الأمر من خلال الممارسات التي يقوم بها / الآخر / الغربيّ و التي تفضح اعتقاده بأنّ / العقلَ / التّاريخيّ قد استقرّ أخيراً في / الغرب /، كما كان قد اعتقد بذلك ( هيغل )، في / فلسفة التّاريخ /، بأنّ / الرّوح الجرمانيّ / ( في الأمم الجرمانيّة ) هو ما يمثّل الوعي في حرّيّته ، و بأنّه هو / روح العالم الجديد /، ما تكرّس مُشوّهاً ، ثقافيّاً و سياسيّاً ، في نزعة / المركزيّة الأوربّيّة/ التي ترى قَصْرَ الفكر و الحضارة على / الغرب/..
ذلك لأنّ مثل ( هيغل ) شخصٌ لا يفوته مغزى أكثر شموليّةً ممّا تقدّم ، فهو القائل ، أيضاً ، إنّ حوض البحر الأبيض المتوسط هو / مركز تاريخ العالم /.. ، و / قلب العالم القديم/.. و / لولاه ما كان يمكن تصوّر تاريخٍ للعالم /. و لكنّ الأهمّ فيما يطرحه ( هيغل ) من كلّ ما تقدّم هو في قوله : / إنّ العقل يسيطر على العالم ، و إنّ تاريخ العالم ، بالتالي ، يتمثّل أمامنا بوصفه مساراً عقليّاً /. ( هيغل- العقل في التّاريخ. المجلّد الأوّل. محاضرات في فلسفة التّاريخ )
سنتلافى ذلك ، الآن ، لنقول إنّه لا يهمّ هنا / الجدال / في صحّة الاعتقاد بالمركزيّة الأوربّيّة من عدمها ، إذ أنّ المسألة تحتاج إلى مدوّنات في برهان / القضيّة / أو عكسها، و لكنّ الأهمّ في الأمر هو أن نحاول ، نحن ، في أن ننظر إلى هذا / الوضع / من منطلق الكيفيّات التي تكفل لنا أن نستخدمَ الوقائع و الظّواهر كمادة حيّة و ضروريّة في التّفكير.
أصبح من السّهل لنا بعد تجربة هذه الحرب ، أن نختبر جملةً من الممارسات و العمليّات التي تمتدّ بأفكارنا ، و تحدّد مضامينها و اتّجاهاتها ، إلى أمد عمليّ طويل ، من حيث نظرتنا إلى / الحرب / كمناسبةٍ في تأسيس النّسق الضّروريّ لِخطّيّةِ إنتاجات الفكر العمليّ ، و كمنعطف سياسيّ و تاريخيّ استولى و سيستولي على أهمّ اتّجاهات وأنماط العمل و طُرُزِ التّفكير و التّحفيز القسريّ و الضّروريّ ، للمضامين و المفاعيل و الدّلالات الاجتماعيّة و السّياسيّة ، الكلّيّة..
بما في ذلك اهتمام جميع الفاعلين ، أو الذين ينبغي أن يكونوا فاعلين ، في مساحات و حدود و فضاءات العبارة و الّلغة و النّشاط اليوميّ و المبادرة و / المؤسّسة / و الدّولة و القرار.
ليست الحرب ، مع نهاياتها التي تلوح في المعطيات ، بتلك الواقعة التي تنمحي آثارها مع وقف
عمليّات الاقتتال و القتال.
تجاوزَت ، اليومَ ، الحربُ في سورية معالمَها الأوليّة تجاوزاتٍ طويلةً في اتّجاهات عديدة. كان من هذه الاتّجاهات ما هو مألوف مثل تراجع الصّراع و انكفاء الأعمال المسلّحة و تقويض / الإرهاب / ، و ما يتّصل بذلك من وقائع دالّة و مساعدة و شاهدة في الأرض و السّياسة.
غير أنّ ما هو ليس مألوفاً في / التّطوّرات / هو ذلك الذي تطرحه علينا نتائج هذه الحرب من أسئلة و تحدّيات مصيريّة ، فعلاً ، لا يمكن لنا أن نعاصر فيها نهايةً / ملموسة / للحرب ، ما لَم نتمكّن من مقاربة مضامين هذه التّحدّيات ، مقاربةً موسوعيّة و احترافيّة و مسؤولة و منظّمة في السّايكولوجيا و علم النّفس الاجتماعيّ و علم نفس سلوك الأفراد و الجماعات ، و في السّياسة و المعرفة و الفكر و الاقتصاد و الثّقافة و الإدارة و سائر المؤسّسات الأخرى ، الاعتباريّة منها و الرمزيّة في إطار تطوّرات / الاجتماع / الأخيرة التي تُقرأ مباشرة في ، مبيان بسيط من معالم أنثروبولوجيا الأمم و الدّول و الشّعوب.
هذه مسألة تحدٍّ يشترك فيها ، في مواجهتنا ، /الزّمن / نفسه ، بالتّضامن مع أقسى ما يُلحّ علينا من ضرورات و أسئلة و أجوبة و واجبات.
بدا إلى حين - و هذا صحيح حتّى الآن - أنّ الكثير ممّا فرضته علينا الحرب ، إنّما كان يدخلُ في عداد / ردود الأفعال /...
ينصرف الأمر إلى البيئة السّياسيّة السّابقة على الحرب ، كما إلى تلك التي فرضتها طبيعة الحرب في ساحة للمعارك ، لا يمكن أن تشكّل بالنّسبة إلينا ساحة أعمال عسكريّة أو مسلّحة استراتيجيّة.
ففي المواجهة كنّا نواجه / الخصوم / في بيئة سوريّة ذاتيّة و أليفة ، لا تصل بالإجمال إلى / جبهة حرب / التّقليديّة.
كنّا نقاتل / العدوّ / فيما بيننا و في إطار أهلنا و مجتمعنا و وسطنا الطبيعيّ و فضائنا الوطنيّ.
لقد فَرض علينا هذا الأمر صعوباتٍ خارقةً جعلت من قتال الدّولة لمواجهة /الإرهاب / أمراً معقّداً ، لا تستطيع معه جميع وسائل الحرب ، إلّا أن تبقى في إطار / الدّفاع / المحض عن المجتمع ، ممّا أدّى بجميع أعمال الدّفاع ، العسكريّة منها و السّياسيّة ، إلى أن تأخذ صيغةً أو صيغاً واضحة ، و مكلفةً ، أيضاً ، من الصيغ التي انحكمت بأن تبقى في إطار /ردود الأفعال / ، التي ساهمت بطبيعتها بإطالة أمد هذه الحرب ، التي كانت تنطلق من جغرافيا المجتمع و المواطنين و السّكان ، و تدور فيها أحداثُها في الوقت نفسه.
كان هذا أمراً شاقّاً في الوصف و لكنّه كان مكلفاً للمجتمع و الدّولة و الأفراد معاً ، و هذا ما شكّل الجانب الأكثرَ إيلاماً للجميع.
و في المقابل ، و في ظروف ما قبل الحرب ، و تحت عناوين مزمنة لمواقف سياسيّة رسميّة للدّولة الوطنيّة في سورية ، كانت أن تجمّدت روح المبادرة المبنيّة على المغامرة الاجتماعيّة و السّياسيّة ، في المعالجات ذات الآفاق التّاريخيّة التّغييريّة ، بغايات جذريّة في المشاريع الفوقيّة لفكرة الدّولة.
كان ذلك يجري بتسويغات / نظاميّة / مختلفة تتلخّص بضرورات / ائتلافيّة / أو / أُلفويّة / اجتماعيّة ، تحافظ على صيغ مهادنة في الاستقرار و التّطوّر الفاتر و التّطوير الهادئ و المسالم للبنية الثّقافيّة في المجتمع و الدّولة في سياق واحد. و ربّما كانت المصلحة / التّقليديّة / السّياسيّة تقتضي ذلك.
لم يكن من المحدّد ما يمكن أن تؤول إليه تراكمات هذه / المسالمة / التّاريخيّة التي لا تخلو من التّغاضي و التّجاوز المُفرِط ، لكثيرٍ من الظّواهر التي جعل تراكمها منها سلطاتٍ إضافيّة ، انضمّت إلى السّلطات الجهويّة و الفئويّة و الأيديولوجيّة الأخرى ، لقوى اجتماعيّة محافظة أو رجعيّة ، قامت مشاريعها و تعزّزت في وجه مشروع الدّولة الذي لم يكن ، في الحقيقة ، واضحَ المعالم في مستوى الحداثة التّاريخيّة و المَديَنَة و العلمنة و المعاصرة الحضاريّة ، التي تقتضي جملةً من / العناوين المتحرّرة / و / المنفتحة / في سلوك الدّولة و المؤسّسة.
لقد أعادت القوى المحافظة و الرّجعيّة في الدّولة و المجتمع ، تدويرَ عجلة التّطوّر بعكس ما كانت تدفع بها الدّولة، فيما كانت / السّلطة / السّياسيّة تكتفي غالباً بالرّد المناسباتيّ و العلاج الظّرفيّ ، و هما ما شكّلا ما نقول عليه / ردّ الفعل / في ظروف الحاجة إلى / الفعل /.
لقد اشتغلَ / الثّقافيّ / و / الاجتماعيّ / و / السّياسيّ / بعكس جهة / النّظاميّ / المعبّر عن مشروع الدّولة في المؤسّسة الرّسميّة. و اكتفى / السّياسيّ / بالمتابعة التي قد تقصّر أو تواكب / الثّقافيّ / و / الاجتماعيّ /، في وقت كان عليه ( السّياسيّ ) أن يسبق و يتجاوز / الوقائع / الأهليّة في تخطيط سابق و سبّاقٍ للمتوقّع و المألوف ، في حين لم يفعل أو لم يتمكّن من تمثيل هذا الدّور المنظّم و الوقائيّ أو الحصيف.
جرى تعنّت / الواقع / في صراعات عميقة و مركّبة ، و لو أنّه أبدى وجهاً ناعماً و انتهازيّاً و مارقاً ، استطاع معه أن ينجح بالتّقنّع الرّسميّ لفترة ، عبَرت أهمّ محطّات الانتقالات الوطنيّة السّوريّة منذ ما يقارب نصف القرن ، كانت خلاله قوى الكبح تعمل بحرّيّة مدعّمة بالأصول الزّمنيّة الثّابتة ، في الثّقافة و الدّوافع و المسوّغات الواسعة، و ب / الفعل / المحدّد و المقصود ..
فيما كانت الدّولة في حرج سياسيّ دائم ، جرّاء عدم ثقتها بأدواتها في المؤسّسة و النّظام ، أو جرّاء عدم التّمكّن من فكرة / المشروع / ، و عدم وضوح رؤيته وضوحاً كافياً ، أو عدم نضوج / الفكرة / السّياسيّة الكافية على مشروع / النظام /.
في الفترة التي نتحدّث فيها ، الآن ، عبرت سورية مقاطع زمنيّة حسّاسة و معقّدة من التّحوّلات الأيديولوجيّة و الدّينيّة و الاقتصاديّة و الهيكليّة الإداريّة ، و بخاصّة منذ نهايات سبعينات القرن العشرين و حتّى العقد الأوّل من القرن الواحد و العشرين.
كان هذا الواقع قد شكّل بنيةً فرضَت ، أثناءها و في ما بعد ، أسلوباً أصبح تقليداً جامداً على مستوى تلقائيّات / الفعل / و / ردّ الفعل / كاستراتيجيّات سياسيّة و اجتماعيّة للدّولة في سورية. .
بمعنى أنّ التّحوّلات الانتقاليّة الأساسيّة في مفاصل عبور المراحل الضّروريّة في البنية المتحرّكة ، موضوعيّاً ، للمؤسّسة و النّظام السّياسيّ ، إنّما كانت خاضعة لشروط الاستجابة الشّرطيّة الانعكاسيّة ، لمتطلّبات البنى الاجتماعيّة و الثّقافيّة العميقة، بدلاً من العكس.
لقد قاد / الاجتماعيُّ / .. / السّياسيَّ / في الوقت الذي كان على / السّياسيّ / أن يقود حركة / النّظام العامّ / و تطوّرات المراحل المختلفة لبنية الدّولة السّياسيّة ، في ظروف كان من المفروض أن تكون / ثوريّة / في المعاصرة و التّقدّم ، في حين جاءت باهتة و واهنة ، مَكّنت القوى الرّكيكة و الجامدة أو الثّقيلة و ذات التّسارع البطيئ ، من أن تقود عجلة السّرعة و التّسارع السّياسيين ، الّلذين كانا بحكم الضّروريين و المتوقّعين في وقت واحد.
لقد قادت أدوات / ردّ الفعل / السّياسيّ في برامج الدّولة المختلفة و المؤّسّسة العامّة و القرار النّظاميّ ، قادت مضمون / التّغيّرات / و / التّحوّلات / ، بدلاً من أن تكون أسس و شروط / الفعل / ، هي القائدة لأعمال التغيير السّياسيّ في سيرة الدّولة و فكرتها الثّابتة في / القوة /.
هكذا تخلّت الدّولة عن / القوّة / ، في ضروراتها ، عندما لجأت إلى / ردود الأفعال / ظنّاً منها ، و تحت شعارات و إملاءات و آراء مشكوك في ولاءاتها الوطنيّة، أنّها تحافظ - هكذا - على / لحمة المجتمع / و / استقراره / المزيّف.
فيما لم يكن بادياً و لا واضحاً ، للحساسيّة السّياسيّة في المسؤوليّات العامّة ، أنّ هذه / المهادنات / التّسويفيّة ، سوف تنتج عكسها من تضخّمٍ و تسرطنٍ لآليّات / الطّموحات / الخاملة ، في بنية الدّولة و في بنية المؤسّسة و في بنية المجتمع ، بحيث استعادت تلك / السّواكت / الكابحة / عافيتها / العمليّة .. فإذا بها مشاريعُ مواجهةٍ أيديولوجيّة معزّزة بالنّظام الذي سطت عليه ، و مسلّحة بأدوات الدّولة التي استولت عليها ، و مقاتلة بفكرة / الدّولة / ، نفسها ، هذه الفكرة التي عملت قوى الماضي على تفريغها ، لتصبح فكرة على / جيوب/ و / أخاديد / و / تعليمات / مؤيّدة بجيش من المناصرين و المريدين الانتهازيين و المقاتلين في سبيل التشبّث بمواقع السّلطة ، التي طوّرها هؤلاء إلى سلطاتِ عصياناتٍ ضدّ التّقدّم و التّغيير ، متجذّرة في البنيتين التحتية والفوقية في المجتمع والدولة والحقل والقضاء .
لا نبحث هنا سيرورة التّناقضات السّياسيّة في البرامج العامّة و آليّات إحداث التّغييرات الضّروريّة في الواقع الاجتماعيّ و السّياسيّ ، و إنّما نتحدّث على / جزئيّة / واحدة من أدوات استراتيجيّة الدّولة في تحقيق فكرتها التّقدّميّة أو المتقدّمة على / المجتمع / ، و هي جزئيّة دور / الفعل / المباشر للقضاء على الأفعال التّحتيّة المتأصّلة في آليّات الكبح التّاريخيّ للتّحوّلات العامّة ، و في خطورة الاكتفاء بردود الأفعال إزاء الأفعال التي لا تنتهي ، و التي تمتهنها قوى الكبح من أجل المحافظة على مواقعها و مكاسبها ، المتحقّقة في التّاريخ و تكريسها و تحسينها أيضاً ، بفضل تحسين شروط بيئتها و خطابها السّياسيّين بشكل أوّليّ و أساسيّ.
إنّ كلّ / استقرارٍ / في أسلوب و أدوات الدّولة في العمل في الشّأن العامّ ، عن طريق / ردّ الفعل / إزاء / الأفعال / الحيّة.. التّقليديّة أو المستجدّة أو الطّارئة ، سيقابله ، دائماً ، تفوقٌ واضحٌ في هجوم / السّلطات / الاجتماعيّة و السّياسيّة التّقليديّة على مكتسبات الدّولة في التّقدّم و الإنجاز العام .
لا يقهر فكرة / الدّولة / بقدر ما تقهرها قوى / البربريّة / القادمة من الماضي أو من الحاضر ، من التّاريخ أو من الأعماق ، من الثّقافة أو من التّقاليد ، من داخل الحدود أو من خارج الحدود .. و التي لا يُخيفها شيء بقدر ما تُخيفها فكرة / التّغيير / و / التّقدّم / ، هذه الفكرة التي غالباً ما تقودها الدّولة في المجتمع ، باعتبار الدّولة ظاهرة في التّاريخ السّياسيّ تعبّر دوماً تعبيراً مباشراً ، و لو بتباينٍ ، عن النّظام العام و مصلحة المجتمع ..
و لكنّ تعبير الدّولة عن مصلحتها السّياسيّة الذّاتيّة التي تعكس مصلحة المجتمع ، لا يمكن إلّا أن يكون بواسطة / الفعل/ الذي يسبق / ردّ الفعل / ، بحيث يكون / ردّ الفعل / السّياسيّ ، استدراكاً لبعضِ انحرافات / الفعل / نفسه أثناء التّنفيذ و الممارسة ، و ليس بديلاً عنه في / المباشرة / بالسّلوك و التّنظيم.
يمكن القول إنّه بين / الفعل / و / ردّ الفعل / ، تثوي قصّة نجاح الدّولة في تعبيرها عن موضوعيّتها أو عجزها عن تجسيد هذه / الموضوعيّة /.
من المعروف أن / ردّ الفعل / في علوم السّلوك ، هو سلوكٌ ذاتيّ و انفعاليّ و انعكاسيّ ، دون أن يكون ، كما هو / الفعل / ، معبّراً عن إنشائيّةٍ في ابتكار خيارات التّعبير و صور العمل و الفعل و التّأصيل ، و التي تعتمد أصلاً على الابتكار و التّخطيط و التّنفيذ ، بما يتناسب مع الحاجة المفهومة فهماً منظّماً ، قضى وقته الضّروريّ في الرّؤية و التّبصّر و إدراك الحاجة التّاريخيّة في / الموضوعيّة / في الّلحظة ، قبيل إدراك / الذّاتيّة / الخاصّة بالفاعلين . .
و عندما تقود / الموضوعيّةُ / .. / الذّاتيّةَ / ، على نحو ما نقصد إليه ، هنا ، فقط نكون أمام / المشروع العامّ / .. ليست / الدّولة / ، في جوهرها ، سوى تعبير نظاميّ عن مشروع عامّ.
و إذا كانت / ردود الأفعال / الظّرفية ، كما قلنا أعلاه ، قد فرضت علينا نتيجة لمجتمع ما قبل الحرب ، كما لطبيعة الحرب و بيئتها و محظوراتها الأخلاقيّة ، فإنّه من غير السّياسيّ أن يمتد مدى / ردود الأفعال / هذه ، ليشملَ النّتائج الأعلى التي أصبحت ضرورات معالجتها كمشكلات ، أفرزتها الحرب ، كما راينا بالنّسبة إلى تحقيق فكرة الدّولة في النّظام ، في أصول القرار السّياسيّ الذي صارت واضحة ضروراته و آليّاته و إمكانيّاته المستقبليّة الّلازمة.
و أما على صعيد هذه النّتائج ، علاوةً على مقدّمات تأسيس و إعادة تأسيس النّظام السّياسيّ ، فإنّ ما طرحته الحرب من أسئلة ، إذاً ، يجب أن لا ننظر إليها كأسئلة بسيطة و مباشرة يكون جوابها شكلاً من أشكال / ردّ الفعل / ، و إنّما فقط باعتبارها أسئلة تاريخيّة ، تحتاج إلى إعادة مراجعة المشروع الاجتماعيّ و المشروع السّياسيّ ، الّلذين يشكّلان مسوّغ وجود الدّولة الوطنيّة بالذّات.
من جهة أخرى ، فإنّ الوقت الذي وصلنا إليه مع شكل الدّولة الوطنيّة السّوريّة في شروطها الواقعيّة ، اليوم ، هو أنسب الأوقات ، من جديد ، لنتناول مفهوم / الفعل / و / ردّ الفعل / السّياسيين ، بالنّقد و المراجعة و التّفنيد ، تمهيداً لرؤية فكريّة تدخل في تجذير النّتائج الإيجابيّة الأفضل للحرب و تستبعد ، في الوقت نفسه ، السّلبيّات - ما أمكن - مع الإحباطات التي أصابتنا في المجتمع و الدّولة و النّظام و العلاقات و القيم و أنماط السلوك.
نحن نعبُرُ ، اليومَ ، مرحلة انتقاليّة في سورية من شأنها أن تكون مرحلةً من مراحل التّأسيس التّاريخيّ للدّولة السّوريّة المستقبليّة ، بشرط فهم و إدراك أن مشروع نظام الدّولة الاجتماعيّ و السّياسيّ ، لا يمكن أن يكون شيئاً تلقائيّاً طبيعيّاً تتحسّن ظروف تفاعلاته البينيّة ، كما يجري الأمر في ضرورات الطّبيعة ، التي تخضعُ إلى نواميس شديدة الموضوعيّة. .
صحيح أنّ هنالك قواني موضوعيّة في السّياسة و الاجتماع ، و لكنّها ممّا يُساهم فيها الفعل الإنسانيّ في الفكر السّياسيّ الغائيّ ، كمساهمة في صناعة الفكر للقدر السّياسيّ للأمم و الدّول و المجتمعات و الشّعوب .. و تختصر تقنيّةُ / المؤسّسة / الفكرةَ العامّة التي تنضوي عليها تلك الإسهامات ببساطة و وضوح.
/ الدّولة / بالذّات هي / المؤسّسة / الأشمل من بين سائر المؤسّسات العامّة الأخرى ، التي يقوم عليها النّظام العامّ .. و هي عبارة عن / روح / مجموعة المؤسّسات السّياسيّة و الحكوميّة و الإداريّة الأخرى المتعدّدة و المختلفة إلى درجة التّطرّف في / الاختلاف / ، لولا أنّها تجمعها كلّها فكرة أساسيّة واحدة ، هي فكرة السّيادة السّياسيّة على الاجتماع.
إنّ مصلحةَ الدّولة تتداخل ، حتماً ، مع مصالح المجتمع و الأفراد ، و لا توجد إحداها بمعزل عن الأخرى؛ و لكنّ فكرة التّمييز في التّفضيل ليست أكثر من فكرة توجّه بعض المصالح المنفردة و الموزّعة ، بواسطة توجيهات المصالح الكلّيّة للجميع .. بمعنى أن / الاجتماعيّ/ هو الذي يخضع ل / السّياسيّ / ، و ليس العكس .
يُشير هذا الطّرح الواضح البسيط إلى فكرتين :
الأولى ، إلى نقديّة سياقيّة تتعلّق بماضي الحدث أو الأحداث السّوريّة ، على ما قلناه ، باختصار، أعلاه..
بينما تشير الثّانية إلى فكرة أو أفكارٍ مستقبليّة تخصّ مستقبل الإطار السّياسيّ ، لإعادة توجيه نتائج الحرب وفق سياقها التّاريخيّ - الموضوعيّ ، الاجتماعيّ و السّياسيّ.
إنّه من دواعي الثّقة بالمجتمع و الدّولة ، على الأقلّ ، ما قد تحصّل من نتائج سياسيّة بعد هذه السّنوات الجِسَام التي مرّت على سورية ..
و إنّه - بالتّالي - من دواعي الثّقة بإمكانيّة البناء الفعليّ على ما بقي ثابتاً في الأصول الاجتماعيّة و السّياسيّة ، و لكن في سياق فكريّ و ثقافيّ ، ينبغي أن يكون مختلفاً في المفاصل و المقاطع الكبرى و نقاط و آليّات العمل و الفعل و التّأثير .
نحن أمام فرصة تاريخيّة سانحة و حقيقيّة من أجل إعادة توزيع / القوّة / ، في حقول التّبادل الاجتماعيّ و الثّقافيّ ، و في صناعة مستقبلات جديدة لمنتجات / القوّة / في فضاء / السّياسيّ /.
نحن في مشروع الدّولة مهدّدون ، دائماً ، في الانعطاف الطّبيعيّ و الانثناء التّلقائيّ للفرديّ و الجهويّ و الفئويّ ، على / الذّات / ، و ذلك بالتّضحية أبداً بالدّولة من أجل ما هو أضيق من الدّولة ، من اعتبارات و مصالح و فوقيّات و فضاءات ..
وهذا ما نكرّره ، باستمرار ، حول طموح السّلطات / الكامنة / في أن تكون بديلاً لسلطة الدّولة .. و هذا ليسَ شأناً شاذّاً أو مفارقاً ذلك لأنّه ، بالفعل، شأنٌ موضوعيّ و طبيعيّ ، و لو في حدّه الدّافعيّ على الأقلّ.
فأنْ يعمل الاجتماعيّ و الثّقافيّ على تجاوز / السّياسيّ / ، فهذا أمر في حدود / المشروعيّة / بل و / المعقوليّة /، أيضاً..
و لكن أن يسمح / السّياسيّ / بهذا التّجاوز و الإلحاق المقلوب ل/ السّياسيّ / ب / الثّقافيّ / و ل/ المدنيّ / ب / الأهليّ / ، فهذا ما يُشكّل اعتداءً على / العقلانيّة / بالذّات ، بوصفها ( العقلانيّة ) التّوضّع الأعلى للعقل في المؤسّسة التي هي / الدّولة /.
/ الدّولة / نفسها هي أعلى مراحل / العقلانيّة / في / الاجتماع / ، و عليه يجب أن يُنظر إلى علاقة المستويات المختلفة ب/ السّياسيّ /.
لا يتعلّق الأمر بالذّكاء الشّخصيّ و الخبث الثّقافيّ و الاجتماعيّ و السّلطويّ الأهليّ ، أو حتّى بالمُكرِ الفلسفيّ ، الذي على / الدّولة / أن تتجنّبها جميعاً ، فحسب. .
و إنّما الأمر يتعدّى ذلك إلى ضرورة الإقرار بأنّ ذلك ، جميعاً ، إنّما هو / مجرّد / إمكانيّة طبيعيّة و استراتيجيّة حيويّة صِرفة ، تنغرز في الفطرة الأوليّة لفكرة الوجود البشريّ ، و بخاصّة منه في طوره التّفاعليّ الاجتماعيّ.
في العموم ذكر ( دلتاي ) : ( 1833 -1911م ) أمراً مشابهاً في معرض حديثه على أحد أهمّ منطلقات / النّقديّة الفلسفيّة / فقال : / إنّ الانعطاف على الذّات ، ليس بخاصّة من خصائص الذّكاء وحده ، بل هو سمة فريدة يتّسم بها الوجود الإنسانيّ / ( ريمون آرون- فلسفة التّاريخ النّقديّة - ترجمة حافظ الجمالي ).
تُعدّ فكرة / الفعل / و / ردّ الفعل / في / القرار / السّياسيّ ، و بخاصّة منه / السّياديّ / و / الجوهريّ / الذي يمسّ أركان نظام / الدّولة / و بنيتها / الفكريّة / ، من الأفكار التي تطرحها الاستراتيجيّات النّقديّة عند التّنظير في فلسفة الدّولة ، في معرض الاستعراض الدّرسيّ الدّائم للمشكلات و الحاجات و الأسئلة الاستراتيجيّة و الحلول الملحّة و الوحيدة ، التي تعترض مسيرة الدّولة ؛ هذا إلى أنّ الدّولة / مشروع / اجتماعيّ - سياسيّ تاريخيّ ، لا يقوم من دون فلسفة سياديّة ، تُعنى بالأسس و الماهيّات التي عليها تؤسّس ذاتها و محيطها كمؤسّسة سياسيّة.
من الطّبيعيّ أنّ اتّساع فكرة / الدّولة / في / القرار / و / التّنظيم / و / النّظام / و الوسائل و الأدوات ، إنّما يمتدّ ليشملَ جميع المؤسّسات الأخرى المنبثقة عن مؤسّسة / الدّولة /..
و مفهوم كيف تتناضدُ / المؤسّسات / السّياسيّة في إطار / الدّولة / ، ليكون بعضها فوق بعضها في شكل مراتب و أولويّات و أهمّيّات و أفضليّات. .
لهذا ليسَ من المهمّ ، هنا ، أبداً ، الدّخول في تفاصيل مراتبيّة المؤسّسات / السّياديّة / منها و / التّنظيميّة / ، و البحث في ترتّب / الواحدة / منها على / الأخرى / ، ففي هذا تفصيلٌ مدرسيّ يألفه كلّ المهتمّين و الدّارسين و الباحثين و أفضلُ و أنبهُ القرّاء.
و بهذه المناسبة .. فقد علّقَ، مرّةً، ( فولتير ) : (1694 - 1778م ) على/ الكوارث / - وفق تعبيرِهِ - التي سبّبت بسقوط ( روما ) بأنّها : / البرابرة ، و المجادلات الدّينيّة /!
و لكنّه توقّف ، أكثرَ ، فقال : / لأنّ الإمبراطوريّة أصبح لديها من الرّهبان ، أكثر ممّا كان لديها من الجنود../ ... !!؟
هذا ليسَ مثالاً على رمزيّة ما نريد التّطرّق إليه ، كما لو كنّا في معرض تعداد الأولويّات ، و لكنّه شيءٌ يوحي ببعض ما هو من الجوهريّات في الأولويّات ، التي يمكن فيها التّفريق و التّمييز بين مخاطر الاكتفاء بردود الأفعال ، في مناسبات ضرورات و دَور و جِدّيّة / الأفعال /.
من سلسلة الفكر الإستراتيجي " 6 " الحلقة السادسة
لا يوجد صور مرفقة
   المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع   


هناك دائما ً المرة الاولى
بقلم: ناجي الزعبي

عن العدوان والأخلاق وأميركا
بقلم: جعفر البكلي



اضغط هنا لقراءة كل مواضيع الكاتب اللواء الدكتور بهجت سليمان |


تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي
Facebook
youtube

جميع الحقوق محفوظة
لموقع جامعة الأمة العربية
© 2013 - 2022
By N.Soft

حمل تطبيق الجامعة لأجهزة آندرويد
Back to Top

       كنعاني: أمريكا شريك أساسي في جرائم الكيان الصهيوني في غزة//الخارجية الإيرلندية: العالم في صدمة من مستوى اللاإنسانية داخل غزة//المالكي أمام العدل الدولية: الاحتلال الإسرائيلي يجب أن ينتهي والوقت حان لوضع حد لازدواجية المعايير//       أعرب خبراء في الأمم المتحدة عن قلقهم بشأن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي الجسيمة لحقوق الإنسان التي لا تزال تتعرض لها النساء والفتيات الفلسطينيات في قطاع غزة والضفة الغربية.//بعد تأمين شحنات الأسلحة اللازمة من إدارة بايدن.. “إسرائيل” تحضر لمجازر جديدة في رفح//الأونروا: المنظومة الإنسانية في غزة على وشك الانهيار//       طوفان الأقصى:وزارة الصحة الفلسطينية تطالب بضغط دولي على الاحتلال لإدخال الوقود والمساعدات لمستشفيات قطاع غزة//ملتقى تضامني بدمشق دعماً للشعب الفلسطيني بمواجهة عدوان وجرائم الاحتلال الصهيوني//107 شهداء و145 جريحاً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//       أخبار محلية:وزارة الدفاع في بيان اليوم: “تمكنت وحدات من قوات حرس الحدود في الجيش العربي السوري من مصادرة 445 كفاً من مادة الحشيش المخدر، إضافة إلى 120 ألف حبة كبتاغون في البادية السورية بالقرب من الحدود الأردنية”.//الأمانة السورية للتنمية تنظم جلسة بعنوان “دمج التراث الثقافي غير المادي في التعليم.. تجارب وآفاق جديدة” بمؤتمر اليونيسكو في الإمارات//       سماحة السيدنصر الله يبحث مع النخالة الأوضاع في غزة والضفة الغربية//       الصحة العالمية تعرب عن قلقها إزاء الاعتداءات الإسرائيلية على رفح وتدعو لوقف إطلاق النار//164 شهيداً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//الرئاسة الفلسطينية تطالب المجتمع الدولي وخاصة الإدارة الأمريكية بمنع الاحتلال من اجتياح رفح//المقاومة الفلسطينية: مجازر الاحتلال في رفح إمعان في حرب الإبادة الجماعية ومحاولات التهجير القسري//استشهاد أكثر من 100 فلسطيني بقصف طيران الاحتلال مدينة رفح//مظاهرات في مدن عدة حول العالم تنديداً بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة//برنامج الأغذية العالمي يحذر من عدم توفر طعام ومأوى لمعظم سكان غزة//الصيادون في غزة: الاحتلال دمر الميناء والمراكب وحرمنا رزقنا//       للشهر الرابع… استمرار معاناة أهالي الحسكة بتوقف محطة مياه علوك جراء اعتداءات الاحتلال التركي// طوفان الأقصى:لمقاومة الفلسطينية تستهدف بقذائف الهاون موقع قيادة لجيش العدو الصهيوني وسط مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة//       وزير الخارجية والمغتربين الدكتور فيصل المقداد يلتقي نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان والوفد المرافق في دمشق//جريح الوطن: تدريب دفعة جديدة من الجرحى على برامج قيادة الحاسب//       أخبار محلية:الرئيس الأسد يستقبل وزير الخارجية الإيراني ويبحث معه العلاقات الثنائية بين البلدين والتطورات في المنطقة//السيدة أسماء الأسد خلال زيارتها هيئة التميز والإبداع: الوصول لمنظومة كاملة للتعليم الإبداعي يكون عبر ترسيخ ثنائية العلم والمعرفة مع الهوية والانتماء//المقداد يلتقي وفداً برلمانياً ليبياً برئاسة يوسف إبراهيم العقوري//       دعا مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته الكاملة، لوقف العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.//عبد اللهيان: استمرار دعم واشنطن لكيان الاحتلال لن يجلب لها إلا الفشل//       الأونروا: الوضع الإنساني في رفح ميئوس منه//اشتية يدعو لتدخل دولي عاجل لمنع امتداد رقعة العدوان الإسرائيلي وجرائم الإبادة إلى مدينة رفح//دان مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل تصريحات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول مخطط التوغل البري في مدينة رفح جنوب قطاع غزة وتهجير الأهالي منها قسرياً.//المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات ومواقع العدو الإسرائيلي التجسسية على الحدود مع فلسطين المحتلة//