جامعة الأمة العربية
جامعة الأمة المقاومة

×

الصفحة الرئيسية التقارير والمقالات

دبلوماسية البوارج وبوارج الدبلوماسية… | بقلم: الدكتور حسن حسن
دبلوماسية البوارج وبوارج الدبلوماسية…



بقلم: الدكتور حسن حسن  
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب
09-08-2023 - 269

ارتفاع نسبة العدائية الأميركية تجاه كل من يقول: «لا لواشنطن: هو الأمر المتوقع، وهو المعروف والمعهود عن الإدارات الأميركية المتعاقبة، منذ استطاعت واشنطن الاستثمار في الحروب والنزاعات وخلق بؤر التوتر والاضطراب، وتصدير مصطلح «الإدارة بالأزمة» بدلاً من «إدارة الأزمة»، ولذا المنطق العلمي يفرض على المهتمين والمحللين والمختصين بالتخطيط الاستراتيجيّ بناء دراساتهم على توقع السيّئ والأسوأ من أي مواقف أميركية لم تتضح معالمها بعد، بما يسمح برؤية الصورة والمشهد قبل اكتمال التشكل النهائيّ، وقد أثبتت الأحداث وتطوراتها على امتداد عقود سذاجة من يراهن على انتظار الخير من أي إدارة أميركية تدّعي الحرص على الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان وما شابه ذلك من مصطلحات. فالخير والسعادة ورغد العيش والديمقراطية المثلى مرتبط بتمجيد أميركا والتسبيح بحمدها، ومدى خدمة المصالح الأميركية وليس أيّ أمر آخر باستثناء بعض الفتات الذي قد ترمي به لمن يظنون أنهم حلفاء وأصدقاء، أو ما يتبقى على موائد العربدة بعد حفلات المجون وتبادل أنخاب قهر إرادة الشعوب بين المسؤولين الأنكلوساكسونيين وأتباعهم أصحاب الأدوار الوظيفية المحددة.
سرّ هذه العدوانية المفرطة أنّ المشمولين ضمن دورة صنع القرار الأميركي استمرؤوا الرقص على الجماجم، وراق لهم انبطاح الآخرين أمامهم لكسب رضاهم، أو اتقاء شرورهم على أقل تقدير، بعد أن ساد الأوساط الدولية شبه يقين بأن إغضاب الأميركي يعني بداية النهاية الحتمية، وبمثل تلك المستويات المرتفعة من العدائية والترهيب بالغزو والقتل والدمار وإثارة الفتن والاقتتال بين دول العالم أو بين أبناء الدولة الواحدة شيّدت أميركا أبراج ثروتها وترفها على جثث الأبرياء، وأميركا هذه لا تجد حرجاً قط في النزول عن الشجرة العالية من دون مقدمات عندما تتيقن أن ما تولده من عواصف وأعاصير سيهز عرش هيمنتها وغطرستها المرفوضة من دول تعي ذاتها، وتدرك كيفية الخروج من القمقم الأميركي، وتمتلك إرادة دفع فاتورة إغضاب واشنطن لقناعتها أنّ التكلفة -مهما ارتفعت – تبقى أقلّ بكثير من فاتورة إرضاء من يتحكّمون بالقرار الكوني، ولا يقيمون وزناً لأعراف المجتمع الإنساني والقانون الدولي، ولا لميثاق الأمم المتحدة، كما لا يعنيهم التنصل من أي تعهد يقطعونه على أنفسهم، أو اتفاق يوقعون عليه اليوم، ويمزقونه غداً، وكأن شيئاً لم يكن، وما على الآخرين إلا الإذعان لمثل هذا المنطق.
الأمر الأهمّ في دراسة العدائية الأميركية خاص بتلك المنعطفات التي تبدو واشنطن وكأنها في طور تعديل دفة القيادة والمسار، والنزول الإرادي والذاتي عن الشجرة التي صنعتها بذاتها، وتسلّقتها بترف وتكبر، وعندما تتأكد أن الاستمرار بالصعود يعني السقوط الحر من علٍ، مع الأخذ بالحسبان حجم الكتلة الكبيرة والوزن النوعي الهائل لتلك الكتلة، وما قد يخلفه سقوطها الحتمي فيما لو استمرّت بالصعود أو البقاء على أغصان تهزّها الرياح بعنف وقوة تزداد شدّتها طرداً مع مرور الوقت، وحصراً في مثل هذه الحالات فقط تتبدّل وجهة الرياح الأميركية، وتسارع واشنطن إلى تحريك بوارج دبلوماسيتها لإنقاذ دبلوماسية البوارج التي اعتادت أن تفرضها بالتهديد والوعيد والتلويح بأساطيلها المنتشرة في شتى البحار والمحيطات.
وفق هذا المنطق المتأرجح بين دبلوماسية البوارج، وبوارج الدبلوماسية يمكن فهم الخطاب الأميركي الموجّه للصين، فهي تعمل على تسليح تايوان، ودفعها أكثر فأكثر للانفصال عن الوطن الأم الصين، وتربطها بالبيت الأبيض بعلاقات مباشرة، وفي الوقت نفسه ترسل مسؤوليها إلى بكين لتحييدها عن مساندة موسكو، أو لتأجيل ذلك وتقليله ما أمكن، ولا يستبعد أن نرى بوارج الدبلوماسية الأميركية بعناوين ومسميات متعددة تتقاطر إلى موسكو بأعلام مختلفة بعد التيقن من العجز عن إغراق روسيا في الأوحال الأوكرانية، وقد لا يطول الانتظار لدى من يتمنون رؤية انقلاب المشهد القائم حالياً رأساً على عقب من دون مقدمات.
الصورة بمضمونها ذاته، وبإخراج مختلف تتكرّر في مياه الخليج وغرب آسيا، ففي الوقت الذي ارتفعت فيه نسبة التفاؤل بالاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية، وتواترت فيه الأخبار عن سعي تحت الطاولة من قبل إدارة بايدن للعودة والتوقيع على الاتفاق النووي الذي مزقته إدارة ترامب، وفي الوقت الذي استبشر فيه الناس خيراً بعودة انفتاح الدول العربية على سورية، وحضورها الفاعل في قمة جدة، وما بُني عليه من آمال بغد أفضل وأقل توتراً وحدة.. في مثل هذا التوقيت تعلن واشنطن عن تعزيز قواعدها العسكرية غير الشرعية في الشرق والشمال الشرقي السوري، وتعمل على زيادة عدد التنظيمات الإرهابية المسلّحة المنضوية تحت العباءة الأميركية، وتدريبها لنشرها وتوسيع مناطق سيطرتها بمباركة أميركية مباشرة.. وفي الوقت نفسه تعلن وزارة الدفاع الأميركية عن إرسال «3000» من مشاة البحرية الأميركية، ويتزامن وصولهم مع وصول السفينة الهجومية البرمائية الأميركية «يو إس إس باتان» وعلى متنها أكثر من عشرين طائرة من أحدث الطائرات الحربية الأميركية، وكذلك سفينة الإنزال «يو إس إس كارتر هول» إلى البحر الأحمر بعد عبورهما قناة السويس، وأعلنت البنتاغون نيتها بنشر مشاة بحريتها على متن السفن التجارية، مما يوحي بمزيد من التوتر والتصعيد الأميركي المتعمّد، ومن المفيد هنا الإشارة إلى بعض النقاط المهمة، ومنها:
ـ تعزيز الوجود العسكري الأميركي ذاتي صرف، ولا يستند إلى طلب أي دولة من دول المنطقة ذلك، وإن كان من المسلم به أن واشنطن تستطيع أن تفرض على دول الخليج وغيرها اليوم قبل الغد إرسال طلبات رسمية لتعزيز الحضور الأميركي – وهذا تحصيل حاصل – وبالتالي ما يساعد على توضيح الصورة أن إرسال تلك القوات والمدمّرات كان بقرار أميركي، وليس بناء على طلب أحد.
ـ الأسطول الأميركي الخامس من أكثر الأساطيل الأميركية تجهيزاً بالعدد والعتاد والطاقة التدميرية، وهو يعمل في الخليج والبحر الأحمر وخليج عمان والمحيط الهندي، بما في ذلك المضائق الحيوية مثل مضيق هرمز وقناة السويس، وتستطيع البنتاغون بالأسطول الخامس تأجيج صراعات مسلحة وخوض أعمال قتالية تنتشر على مساحات جغرافية كبيرة من دون الحاجة إلى تعزيزات جديدة تقطع آلاف الأميال وتنتشر في منطقة ليس فيها ما يعكر الأمن والاستقرار إلا دسّ الأنف الأميركي بشؤونها الذاتية حماية للكيان الإسرائيلي ولمصالحها المتناقضة مع مصالح شعوب المنطقة.
ـ دول المنطقة هي المسؤولة عن الأمن والاستقرار وجيوشها هي الأقدر على توفير ذلك، وليس الأميركي الذي ما انتشرت قواته في أي بقعة جغرافية إلا وانتشت معها الحروب والفتن والصراعات التي تجيد واشنطن إذكاءها وتأجيجها لأطول فترة ممكنة.
ـ الأميركيون هم الأقدر على فهم المواقف الأميركية التي يتم اعتمادها والإعلان عنها رسمياً، وقد ذكرت مجلّة «Responsible Statecraft» الإلكترونية، التابعة لمعهد «كوينسي للدراسات» الأميركي، أنّ تصعيداً عسكرياً أميركياً يجري في الخليج، وأنّ «حرب ناقلات» جديدة تتفاعل، بعد قرار الولايات المتحدة وضع قوة عسكرية على متن الناقلات البحرية التجارية، وأضافت المجلة أن «آخر مرةٍ وضعت فيها واشنطن قوةً مُسلّحة على متن سفنٍ تجارية، كانت خلال الحرب العالمية الثانية»، وهذا يعني اعترافاً أميركياً من إدارة بايدن بأنها بسلوكها هذا تعتبر نفسها في حرب عالمية، وطالما أنّ التعزيزات أرسلت إلى منطقة الخليج، فهي مكرّسة بشكل مباشر لمواجهة إيران التي لم تتأخر بتصدير الرسائل الجوابية الواضحة بمعانيها ودلالاتها.
ـ ردّ الحرس الثوري كان شديد الوضوح، ويتضمّن عزم طهران وقدرتها على الردّ على أيّ تصعيد أميركي، وسيقابل بالمثل أيّ عمل تقوم به واشنطن لاحتجاز السفن الإيرانية، والأهمّ أنّ «إيران تمتلك القدرة العسكرية والقرار المطلوب للردّ في أي مكان وبأي شكل». وعندما يرد هذا الكلام على لسان الناطق باسم الحرس الثوري فإنه يعني أن القرار بالرد متخذ، ولا يحتاج البحارة الإيرانيون إلى قرارات جديدة تصدر بالردّ على الاعتداءات الأميركية في حال حدوثها، أي أنّ الردّ أصبح تكليفاً شرعياً ووطنياً، فضلاً عن كونه مسؤولية عسكرية مباشرة، وهذا كفيل بإلزام أصحاب الرؤوس الحامية لإعادة حساباتهم قبل الإقدام على أي حماقة.
ـ إذا كان هناك مَن يحسب أو يخال أو يظنّ أنّ هذا التصعيد الاستكباري الجديد يساعد إدارة بايدن على استعادة الهيبة المتآكلة فهو واهمٌ ومشتبه، فعندما تكون واشنطن بصدد التصعيد الميداني الفعلي فإنها تمتلك ما يمكنها من خارج المنطقة من استنفاد بنك الأهداف المحدّد لديها، والمسؤولون الأميركيون على يقين أنّ كلّ قواعدهم في المنطقة تحت مرمى أطراف محور المقاومة، وقد يرى بعض مكونات هذا المحور أنّ الفرصة ذهبية لتوجيه الصفعة الأشد إيلاماً، وإرغام المسؤولين في بلاد العم سام على مغادرة المنطقة بأسرع وقت وبأقل تكلفة ومن دون مقدمات تمهيدية لا ضرورة لها.
خلاصة واستنتاج
لا يمكن فصل الخطوة التصعيدية الأميركية الجديدة عما يعيشه الكيان المؤقت من توتر واضطراب مفتوح على المجهول، ولا يستبعد أن يكون المنظرون الاستراتيجيون وضعوا في حساباتهم أنّ حكومة نتنياهو المتطرفة قد تأخذ الكيان إلى انتحار ذاتي بغض النظر عن صاعق التفجير داخلياً كان أم خارجياً.
*باحث سوري متخصص بالجيوبوليتيك والدراسات الاستراتيجية

لا يوجد صور مرفقة
   المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع   


فن صناعة الخلائط
بقلم: الدكتور حسام الدين خلاصي

لبنان ليسَ في مَهَب الريح
بقلم: الدكتور اسماعيل النجار



اضغط هنا لقراءة كل مواضيع الكاتب الدكتور حسن حسن |


تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي
Facebook
youtube

جميع الحقوق محفوظة
لموقع جامعة الأمة العربية
© 2013 - 2022
By N.Soft

حمل تطبيق الجامعة لأجهزة آندرويد
Back to Top

       كنعاني: أمريكا شريك أساسي في جرائم الكيان الصهيوني في غزة//الخارجية الإيرلندية: العالم في صدمة من مستوى اللاإنسانية داخل غزة//المالكي أمام العدل الدولية: الاحتلال الإسرائيلي يجب أن ينتهي والوقت حان لوضع حد لازدواجية المعايير//       أعرب خبراء في الأمم المتحدة عن قلقهم بشأن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي الجسيمة لحقوق الإنسان التي لا تزال تتعرض لها النساء والفتيات الفلسطينيات في قطاع غزة والضفة الغربية.//بعد تأمين شحنات الأسلحة اللازمة من إدارة بايدن.. “إسرائيل” تحضر لمجازر جديدة في رفح//الأونروا: المنظومة الإنسانية في غزة على وشك الانهيار//       طوفان الأقصى:وزارة الصحة الفلسطينية تطالب بضغط دولي على الاحتلال لإدخال الوقود والمساعدات لمستشفيات قطاع غزة//ملتقى تضامني بدمشق دعماً للشعب الفلسطيني بمواجهة عدوان وجرائم الاحتلال الصهيوني//107 شهداء و145 جريحاً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//       أخبار محلية:وزارة الدفاع في بيان اليوم: “تمكنت وحدات من قوات حرس الحدود في الجيش العربي السوري من مصادرة 445 كفاً من مادة الحشيش المخدر، إضافة إلى 120 ألف حبة كبتاغون في البادية السورية بالقرب من الحدود الأردنية”.//الأمانة السورية للتنمية تنظم جلسة بعنوان “دمج التراث الثقافي غير المادي في التعليم.. تجارب وآفاق جديدة” بمؤتمر اليونيسكو في الإمارات//       سماحة السيدنصر الله يبحث مع النخالة الأوضاع في غزة والضفة الغربية//       الصحة العالمية تعرب عن قلقها إزاء الاعتداءات الإسرائيلية على رفح وتدعو لوقف إطلاق النار//164 شهيداً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//الرئاسة الفلسطينية تطالب المجتمع الدولي وخاصة الإدارة الأمريكية بمنع الاحتلال من اجتياح رفح//المقاومة الفلسطينية: مجازر الاحتلال في رفح إمعان في حرب الإبادة الجماعية ومحاولات التهجير القسري//استشهاد أكثر من 100 فلسطيني بقصف طيران الاحتلال مدينة رفح//مظاهرات في مدن عدة حول العالم تنديداً بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة//برنامج الأغذية العالمي يحذر من عدم توفر طعام ومأوى لمعظم سكان غزة//الصيادون في غزة: الاحتلال دمر الميناء والمراكب وحرمنا رزقنا//       للشهر الرابع… استمرار معاناة أهالي الحسكة بتوقف محطة مياه علوك جراء اعتداءات الاحتلال التركي// طوفان الأقصى:لمقاومة الفلسطينية تستهدف بقذائف الهاون موقع قيادة لجيش العدو الصهيوني وسط مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة//       وزير الخارجية والمغتربين الدكتور فيصل المقداد يلتقي نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان والوفد المرافق في دمشق//جريح الوطن: تدريب دفعة جديدة من الجرحى على برامج قيادة الحاسب//       أخبار محلية:الرئيس الأسد يستقبل وزير الخارجية الإيراني ويبحث معه العلاقات الثنائية بين البلدين والتطورات في المنطقة//السيدة أسماء الأسد خلال زيارتها هيئة التميز والإبداع: الوصول لمنظومة كاملة للتعليم الإبداعي يكون عبر ترسيخ ثنائية العلم والمعرفة مع الهوية والانتماء//المقداد يلتقي وفداً برلمانياً ليبياً برئاسة يوسف إبراهيم العقوري//       دعا مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته الكاملة، لوقف العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.//عبد اللهيان: استمرار دعم واشنطن لكيان الاحتلال لن يجلب لها إلا الفشل//       الأونروا: الوضع الإنساني في رفح ميئوس منه//اشتية يدعو لتدخل دولي عاجل لمنع امتداد رقعة العدوان الإسرائيلي وجرائم الإبادة إلى مدينة رفح//دان مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل تصريحات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول مخطط التوغل البري في مدينة رفح جنوب قطاع غزة وتهجير الأهالي منها قسرياً.//المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات ومواقع العدو الإسرائيلي التجسسية على الحدود مع فلسطين المحتلة//