جامعة الأمة العربية
جامعة الأمة المقاومة

×

الصفحة الرئيسية التقارير والمقالات

سوريا: الأهمية الجيوسياسية في خريطة النفط والغاز | بقلم: الدكتورة رشا سيروب
سوريا: الأهمية الجيوسياسية في خريطة النفط والغاز



بقلم: الدكتورة رشا سيروب  
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب
31-05-2023 - 233

برغم الاتجاه المتزايد نحو الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة (الرياح، الطاقة الشمسية، إلخ.)، يبقى الوقود الأحفوري (النفط والغاز والفحم) في قلب رقعة الشطرنج الجيوسياسية. إذ يستحوذ على أكثر من 82% من الاستهلاك العالمي للطاقة، في حين أن نسبة استهلاك الطاقة المتجددة لم تتجاوز 7% بعد. فالأخيرة ـــ على المدى القصير ـــ ما زالت غير قادرة بعد على منافسة الوقود الأحفوري في الكثير من الاستخدامات، كالنقل لمسافات طويلة (الجوي والبري والبحري)، أو في الصناعات الثقيلة مثل إنتاج الصلب والبتروكيماويات، بل حتى في تصنيع السلع الاستهلاكية من علب البلاستيك إلى الألبسة.

القوى الكبرى على خريطة النفط والغاز

اعتمدت دول الشمال المتقدم على النفط والغاز في بناء اقتصاداتها، وبشكل خاص أوروبا والولايات المتحدة، اللتان يبلغ استهلاكهما نحو ثلثي الإنتاج العالمي من هاتين السلعتين. في المقابل، شكل النفط والغاز بالنسبة لبعض دول الجنوب النامي أساس الهياكل الاقتصادية والعقد الاجتماعي خصوصًا في الشرق الأوسط (الذي تمتلك دوله نحو 50% من الاحتياطات المؤكدة من النفط الخام و40% من الاحتياطات المؤكدة من الغاز الطبيعي)، وهو ما سمح لها بممارسة ضغوط دولية "متفرقة" و"محدودة نسبيًا" لتحقيق مكاسب سياسية في بعض الأحيان.

أما روسيا التي ترى في مواردها الطبيعية عامل قوة اقتصادية ورافعة سياسية كبيرة لها، فهي أكبر مصدّر للغاز في العالم (تستحوذ على 23.6% من صادرات الغاز الطبيعي)، وتمتلك أكبر احتياطي مؤكد عالميًا، وتشكل المورد الرئيسي للغاز إلى أوروبا، حيث تحصل الأخيرة على أكثر من 50% من وارداتها من الغاز من روسيا (أكثر من 90% منه عبر الأنابيب)، وذلك قبل الحرب الروسية ـــ الأوكرانية.

في المقابل، تستورد الصين نحو 70% من احتياجاتها من النفط الخام التي يأتي نحو 50% منها من الشرق الأوسط (العراق ودول الخليج العربي على وجه الخصوص) و15.4% من روسيا. ويعني الحفاظ على مورد مستقر من الإمدادات النفطية ضمان قدرتها على الاستمرار في منافسة الولايات المتحدة اقتصاديًا، وهو ما تخشاه الأخيرة. لذلك، ليست مبادرة الحزام والطريق إلا جزءًا من استراتيجية صينية أكبر للتأكيد من نفوذها في الشرق الأوسط.
في ظل ما سبق، تشكل صعوبة الوصول إلى النفط والغاز (أو التخلي عنه) مصدر قلق اقتصادي وسياسي للدول الفاعلة في صناعة الطاقة (سواء المنتجة أو المستهلكة). وعلى مر التاريخ الحديث، تُرجم هذا القلق على شكل حروب ونزاعات واتفاقات، أعادت تشكيل خرائط العالم تحت شعارات مختلفة، منها حق الدول في تقرير المصير، والديمقراطية وحقوق الإنسان، ومكافحة الإرهاب.

الجغرافيا السياسية لسوريا في خريطة النفط والغاز

قد لا يكون لدى سوريا الكثير من النفط والغاز لتشكل مصدر قلق "جوهري" للدول الفاعلة في صناعة الطاقة. فموارد سوريا من النفط والغاز في لعبة الطاقة الكبرى هامشية مقارنة بما هو متاح في الشرق الأوسط. إذ لا يتجاوز إنتاجها من النفط الخام 5 بالألف (0.46%) من حجم الإنتاج النفطي العالمي، و1.5% نسبة إلى إنتاج دول الشرق الأوسط (في ذورة الإنتاج النفطي في سوريا عام 2002). ويشكل الاحتياطي النفطي المؤكد 0.15% من الاحتياطي العالمي فقط، و0.33% نسبة إلى الاحتياطات المؤكدة في الشرق الأوسط.

في المقابل، فإن حجم الإنتاج من الغاز الطبيعي في سوريا شكّل أقل من 1 بالألف (0.071%) من إنتاج الغاز في العالم، و0.4% فقط من إنتاج الغاز الطبيعي في الشرق الأوسط. وبلغ حجم الاحتياطي المؤكد من الغاز الطبيعي 0.14% فقط من احتياط الغاز المؤكد في العالم، و0.35% بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط.

وبالمقارنة مع هو متوافر في العراق وإيران ودول الخليج العربي (انظر الشكلين 2 و3)، لا يمكن القول إن النفط والغاز في سوريا أثار مخاوف الدول القلقة لتكون فاعلًا في الحرب السورية.

لكن...

جغرافيًا، تتوسط سوريا الشرق الأوسط المليء بأحلام خطوط الأنابيب التي يمكن أن تجعلها مركزًا لها. والحدود السورية مع العراق، والموانئ البحرية على البحر المتوسط، تجعل منها ممرًا طبيعيًا لنفط شمال العراق ودول الخليج العربي إلى أوروبا.

وبرغم أن الجسر البري إلى أوروبا هو تركيا ـــ العضو في حلف "الناتو" ـــ وليس سوريا، إلا أنّ طبيعة الجغرافيا السورية المسطحة نسبيًا تجعل بناء خط أنابيب أسهل وأرخص بكثير مما هو عليه الحال في تركيا الجبلية. بالتالي، ستفقد تركيا رسوم العبور والكثير من المكاسب السياسية في الشرق الأوسط وأوروبا، وتُحوَّل تلك المكاسب إلى سوريا التي يمكن أن تجلب النفط والغاز من الشرق الأوسط (الذي يُنتج نحو ثلث الإنتاج العالمي من النفط ـــ 31.3% تحديدًا ـــ و17.7% من الغاز الطبيعي، ويحتوي على نصف احتياطيات النفط العالمية المؤكدة، وأكثر من 40% من احتياطيات الغاز العالمية المؤكدة) إلى أوروبا التي لديها عجز في الميزان الطاقوي (75% من النفط و63% من الغاز)، وتستهلك أكثر من 14% من النفط الخام و14% من الغاز الطبيعي على مستوى العالم.

سياسيًا، روسيا (الحليف الاستراتيجي لسوريا) ـــ الطامحة إلى تغيير نظام القطب الواحد، والحد من هيمنة الولايات المتحدة (التي شكّل النفط والغاز ركيزة أساسية لسياسيتها الخارجية)، تسعى للسيطرة على خطوط نقل الطاقة الرئيسية في الشرق الأوسط لتصبح قوة مهيمنة على الطاقة العالمية، خصوصًا بعد الأزمة الروسية ـــ الأوكرانية عام 2014، التي سعت إثرها أوروبا (التي تحصل على نحو 55% من وارداتها من الغاز من روسيا) إلى كسر اعتمادها على الغاز الروسي، والانفتاح على سوق الشرق الأوسط بموارده الهائلة من الغاز والنفط، في ظل وجود دول تنافس روسيا لجهة حيازة الغاز الطبيعي مثل إيران وقطر، إذ تمتلك إيران ثاني أكبر احتياطي غاز مؤكد على المستوى العالم بعد روسيا، تليها قطر (التي تستضيف قاعدتين عسكريتين أميركيتين، ومقر القيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط).

الحرب لعبة سياسية نتيجتها صفر

باختصار، يمكن القول إن الأهمية الجيوسياسية لسوريا لا تكمن في ما تمتلكه من نفط وغاز، بل بموقعها الجغرافي الذي كان أحد خفايا الحرب غير المعلنة فيها، وشكل وقودًا لإطالة أمدها، الناتج من تضارب مصالح جميع الدول ـــ سواء التي دعمت الحرب أو عارضتها ـــ والتي يتحدد نفوذها الجيوسياسي ودورها الاستراتيجي بقدرتها على التحكم بأسواق الطاقة (إنتاجًا وعبورًا وتصديرًا). والطرف المنتصر في هذه الحرب سيتمكن من تغيير المعادلات السياسية، وهو من سيمتلك مفاتيح تعديل شكل النظام العالمي. بهذا المعنى، فالحرب في سوريا هي لعبة صفرية، نتيجتها مكاسب للفائز تعادل خسائر الخصم.

لا يوجد صور مرفقة
   المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع   


الخطة باء الأميركية الإسرائيلية المقبلة للمنطقة
بقلم: تحسين الحلبي

عالم جديد تَرتَسِم معالمهُ ويُطِل علينا بأُفِقٍ كبير أين نحن العرَب والمسلمون منه؟،
بقلم: اسماعيل النجار



اضغط هنا لقراءة كل مواضيع الكاتب الدكتورة رشا سيروب |


تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي
Facebook
youtube

جميع الحقوق محفوظة
لموقع جامعة الأمة العربية
© 2013 - 2022
By N.Soft

حمل تطبيق الجامعة لأجهزة آندرويد
Back to Top

       كنعاني: أمريكا شريك أساسي في جرائم الكيان الصهيوني في غزة//الخارجية الإيرلندية: العالم في صدمة من مستوى اللاإنسانية داخل غزة//المالكي أمام العدل الدولية: الاحتلال الإسرائيلي يجب أن ينتهي والوقت حان لوضع حد لازدواجية المعايير//       أعرب خبراء في الأمم المتحدة عن قلقهم بشأن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي الجسيمة لحقوق الإنسان التي لا تزال تتعرض لها النساء والفتيات الفلسطينيات في قطاع غزة والضفة الغربية.//بعد تأمين شحنات الأسلحة اللازمة من إدارة بايدن.. “إسرائيل” تحضر لمجازر جديدة في رفح//الأونروا: المنظومة الإنسانية في غزة على وشك الانهيار//       طوفان الأقصى:وزارة الصحة الفلسطينية تطالب بضغط دولي على الاحتلال لإدخال الوقود والمساعدات لمستشفيات قطاع غزة//ملتقى تضامني بدمشق دعماً للشعب الفلسطيني بمواجهة عدوان وجرائم الاحتلال الصهيوني//107 شهداء و145 جريحاً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//       أخبار محلية:وزارة الدفاع في بيان اليوم: “تمكنت وحدات من قوات حرس الحدود في الجيش العربي السوري من مصادرة 445 كفاً من مادة الحشيش المخدر، إضافة إلى 120 ألف حبة كبتاغون في البادية السورية بالقرب من الحدود الأردنية”.//الأمانة السورية للتنمية تنظم جلسة بعنوان “دمج التراث الثقافي غير المادي في التعليم.. تجارب وآفاق جديدة” بمؤتمر اليونيسكو في الإمارات//       سماحة السيدنصر الله يبحث مع النخالة الأوضاع في غزة والضفة الغربية//       الصحة العالمية تعرب عن قلقها إزاء الاعتداءات الإسرائيلية على رفح وتدعو لوقف إطلاق النار//164 شهيداً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//الرئاسة الفلسطينية تطالب المجتمع الدولي وخاصة الإدارة الأمريكية بمنع الاحتلال من اجتياح رفح//المقاومة الفلسطينية: مجازر الاحتلال في رفح إمعان في حرب الإبادة الجماعية ومحاولات التهجير القسري//استشهاد أكثر من 100 فلسطيني بقصف طيران الاحتلال مدينة رفح//مظاهرات في مدن عدة حول العالم تنديداً بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة//برنامج الأغذية العالمي يحذر من عدم توفر طعام ومأوى لمعظم سكان غزة//الصيادون في غزة: الاحتلال دمر الميناء والمراكب وحرمنا رزقنا//       للشهر الرابع… استمرار معاناة أهالي الحسكة بتوقف محطة مياه علوك جراء اعتداءات الاحتلال التركي// طوفان الأقصى:لمقاومة الفلسطينية تستهدف بقذائف الهاون موقع قيادة لجيش العدو الصهيوني وسط مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة//       وزير الخارجية والمغتربين الدكتور فيصل المقداد يلتقي نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان والوفد المرافق في دمشق//جريح الوطن: تدريب دفعة جديدة من الجرحى على برامج قيادة الحاسب//       أخبار محلية:الرئيس الأسد يستقبل وزير الخارجية الإيراني ويبحث معه العلاقات الثنائية بين البلدين والتطورات في المنطقة//السيدة أسماء الأسد خلال زيارتها هيئة التميز والإبداع: الوصول لمنظومة كاملة للتعليم الإبداعي يكون عبر ترسيخ ثنائية العلم والمعرفة مع الهوية والانتماء//المقداد يلتقي وفداً برلمانياً ليبياً برئاسة يوسف إبراهيم العقوري//       دعا مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته الكاملة، لوقف العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.//عبد اللهيان: استمرار دعم واشنطن لكيان الاحتلال لن يجلب لها إلا الفشل//       الأونروا: الوضع الإنساني في رفح ميئوس منه//اشتية يدعو لتدخل دولي عاجل لمنع امتداد رقعة العدوان الإسرائيلي وجرائم الإبادة إلى مدينة رفح//دان مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل تصريحات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول مخطط التوغل البري في مدينة رفح جنوب قطاع غزة وتهجير الأهالي منها قسرياً.//المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات ومواقع العدو الإسرائيلي التجسسية على الحدود مع فلسطين المحتلة//