جامعة الأمة العربية
جامعة الأمة المقاومة

×

الصفحة الرئيسية التقارير والمقالات

سوريا والعودة إلى منطقة الضمير | بقلم: الدكتور عبد الحسين شعبان
سوريا والعودة إلى منطقة الضمير



بقلم: الدكتور عبد الحسين شعبان  
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب
14-05-2020 - 1140

بغض النظر عن التقاطعات والاصطفافات السياسية والمواقف المسبقة، تبقى سوريا جرحاً فاغراً، خصوصاً وهي تعاني منذ نحو تسع سنوات من أعمال عنف وإرهاب ونزاع أهلي وحرب خارجية مركّبة ، وما زاد من المأساة هو الحصار ونظام العقوبات المشدّد المفروض عليها، واضطرار ملايين البشر النزوح من مناطق سكناهم ومدنهم وقراهم وملايين أخرى إلى طلب اللجوء السياسي وغير السياسي " الإنساني"، وذلك بالارتباط مع محاولة تمزيق النسيج الوطني الاجتماعي وإثارة النعرات الدينية والطائفية والمذهبية والإثنية وتغذية أنواع التعصّب ووليده التطرّف، بتشجيع ودعم من القوى الدولية والإقليمية ولأغراض مختلفة.

وبعيداً عن السياسة وذيولها والاستراتيجيات الكبرى والصغرى، الشاملة والفرعية والمصالح المتشابكة فيها، فإن ما آلت إليه الأوضاع في سوريا يوجع القلب ويرهق النفس ، لا بدّ من رد الاعتبار لمنطقة الضمير وإحيائها دون خدر أو ذبول أو خمول، وهي منطقة واضحة في الحق لا لبس فيها ولا غموض ولا تأييد أو تنديد ولا تقديس أو تدنيس، وإنما الانحياز أولاً وأخيراً إلى البشر، الناس ، الإنسان، ومنطقة الضمير طاهرة الهدف معيارها الأول والأخير هو الإنسان الذي هو "مقياس كل شيء" على حد تعبير الفيلسوف الإغريقي بروتوغوراس، لاسيّما حين يختلط الحق بالباطل والأبيض بالأسود والسياسة بالقانون والمصالح بالقيم.

ولكي لا نضيع في التفاصيل الصغيرة ونتيه في دروب السياسة الوعرة وادعاء امتلاك الحقيقة والأفضلية، لا بد من تحديد المعيار الأساسي ووضع الهدف المحوري في الصدارة وذلك بإعلاء شأن الإنسان والدفاع عنه بغض النظر عن أي اعتبار آخر، فسوريا البلد المتمدن والمتحضر في الشرق الأوسط والذي أغنى البشرية منذ آلاف السنين، يعاني اليوم من حرب إبادة ناعمة وطويلة الأمد، مع أن الحرب التمزيقية الداخلية والمتداخلة إقليمياً ودولياً ما تزال مستمرة منذ تسعة أعوام.

وكان الكونغرس الأمريكي قد اقترح قانوناً في العام 2016عُرف باسم "قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين" ونص على فرض عقوبات اقتصادية ومالية وعلمية وتكنولوجية ووضع الرقابة على كل ما يدخل ويخرج من سوريا، وذلك تكراراً لتجربة العراق الذي عانى منها نحو 12 عاماً، أي منذ العام 1991 ولغاية العام 2003، حتى وقع تحت الاحتلال الأمريكي، وما يزال يئن من تلك العقوبات وتأثيراتها، فضلاً عن نتائجها التي تكرّست بالاحتلال.

الجديد في الأمر أن مجلس الشيوخ الأمريكي قد صوّت (17 كانون الأول /ديسمبر/2019) على هذا القانون، الذي حظي بموافقة 86 عضواً، مقابل اعتراض 8 أعضاء فقط، وبالطبع فمجلس الشيوخ يقع تحت هيمنة الجمهوريين، لكن عدداً من الأعضاء الديمقراطيين كان قد صوّت على هذا القانون أيضاً، وبعد أيام صادق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على القانون ضمن إقرار الموازنة المالية للدفاع التي تبلغ 738 مليار دولار أميركي ، وستتخذ إجراءات تنفيذية لتطبيقه في يونيو(حزيران) 2020.

وإذا ما طبقت العقوبات الواردة فيه بالكامل فإن سوريا ستتعرض لحرب إبادة ، تطال نسيجها الاجتماعي والثقافي ووحدتها الكيانية، فضلاً عن إضعاف قدرتها على المواجهة في ظل معاناة تتصاعد طردياً مع استمرار تأثيراتها النفسية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والتربوية وغيرها، والهدف هو إسقاط التفاحة الناضجة بالأحضان، بعد أن استعصت بالحرب الخشنة والتداخلات الإقليمية والدولية وأعمال الإرهاب والاستباحة التي قامت بها المنظمات الإرهابية .

وإذا كانت واشنطن قد استثنت روسيا سابقاً من عقوباتها وركّزت على إيران وحلفائها، فإن هذا القانون سيضعها في مواجهة مباشرة مع روسيا ومؤسساتها العسكرية،إضافة إلى جهات صناعة الأسلحة وصناعة الطاقة وغيرها.

وحين نقول العودة إلى منطقة الضمير، لكل من يريد الخير لسوريا وشعبها ووحدتها ومستقبلها، خارج دائرة التصنيفات السياسية وخلفياتها وبعيداً عن رأي هذا أو ذاك بالنظام وممارساته وبالمعارضة وسياساتها، عليه أولاً وقبل كل شيء وضع التجربة العراقية نصب عينيه، فبلد مثل العراق تحوّل بفعل نظام العقوبات والحصار الدولي بالتدرج إلى " معسكر لاجئين"، فضلاً عن لاجئين فعليين في أصقاع الدنيا بعد حروب ومغامرات ودمار وحصار واحتلال، وهو ما يُراد لسوريا التي نكاد تسمع تحطيم كرامتها وطحن عظامها تمهيداً لتفتيتها وتحويلها إلى دوقيات ومناطقيات وإثنيات وطوائف، ونسف التنوّع الفسيفسائي والموزائيك التعددي بإعلاء شأن "صراع الأقليات" وتحويله إلى واقع قائم وفقاً لنظريات برنارد لويس حول مشروع تقسيم الشرق الأوسط منذ العام 1979 ومشروعي عوديد ينون وإيغال آلون في العام 1982 بتفتيت سوريا تمهيداً لتقسيمها إلى دويلات سنية وعلوية ودرزية وكردية وغير ذلك بما يلحق الضرر بمصالح الشعب السوري ووحدته الوطنية.

ما لم تحققه الحرب يُراد تحقيقه بوسائل الحصار والحرب الناعمة وأساليب الحرب النفسية للتغلغل وإثارة النعرات العنصرية والطائفية والدينية والمناطقية وتشجيع كل ما يساعد على تفتيت المجتمع السوري من داخله، تمهيداً لوضع اليد عليه، وهو الأمر الذي ما يزال العراق يعاني منه، وقد اشتغلت عليه مراكز دراسات وأبحاث وأجهزة دولية عديدة، في مقدمتها مؤسسة راند المقرّبة من CIA، فضلاً عن المساعي الصهيونية المستمرة والعدوان المتكرر وإعلان الرئيس ترامب أن الجولان السوري المحتل هو تحت السيادة الإسرائيلية وجزء من "إسرائيل" تحت عنوان "سياسة الأمر الواقع".

وإذا كان الحديث عن مخرج سياسي وحل رضائي وتوافقي برعاية دولية، سواء جنيف المتعددة أو أستانا أو غيرها مع الأخذ بنظر الاعتبار القرارات الدولية بما فيها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الذي صدر بالإجماع في 18 كانون الأول (ديسمبر) 2015 والقاضي بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية في سوريا ، فلا بدّ من توافق سوري أولاً وقبل كل شيء يأخذ بنظر الاعتبار الوضع المأسوي الذي يعيشه السوريون ، خصوصاً في ظلّ انهيار سعر الليرة أمام الدولار، فضلاً عن مخلفات العنف والإرهاب لوقف نزيف الدم والحد من المعاناة المتعاظمة وصولاً إلى عملية سياسية تدرجية ترتكز على الهويّة السورية الوطنية العامة والشاملة والموحدة، مع احترام الخصوصيات القومية والدينية ومراعاة حقوقها السياسية والإدارية والثقافية دستورياً، وبما يتناسب مع الشرعة الدولية لحقوق الإنسان التي تحرّم استخدام العقوبات والحصار الاقتصادي، خصوصاً حين يستمر لسنوات طويلة، حيث يعتبر هدراً سافراً وصارخاً لحقوق الإنسان ويضاعف من معاناة السكان المدنيين ويزيد من مأساتهم، لأنه سيؤدي إلى التضييق على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبقية الحقوق، فضلاً عن الحقوق السياسية والمدنية في ظل الظروف الاستثنائية ، بحكم الأولويات التي تفرضها الحرب .

إن استمرار الحرب الناعمة ضد سوريا بما فيها الحصار الاقتصادي ضد شعب أعزل يثير الكثير من التساؤلات الأخلاقية أولاً حول "الفضيلة الغربية" و"قيم العالم الحر" و" العالم الجديد"، لاسيّما إزاء أرقام الضحايا المذهلة في هذه "الحرب الصامتة" الأشد إيلاماً وبشاعة، حين يتم التعامل مع معاناة البشر بدم بارد أو ترحيل للذنوب على الآخر، فللآخر ذنوبه، لكن الحكم بهلاك شعب انتظاراً ودون حدود أو آجال يعدّ جريمة كبرى لا يمكن السكوت عنها، والسكوت يعني تواطؤاً، وفقط غلاظ القلوب هم الذين يعتبرون أن "قتل إنسان جريمة أما قتل مليونين فمجرد إحصائية "، علماً بأن بعض الأصوات الأوروبية والأمريكية بدأت تحتج على التأثيرات الخطيرة للعقوبات وتجويع شعب بكامله.

إن تلك الجرائم ترتب مسؤولية دولية جنائية وفقاً للمادة 54 من بروتوكول جنيف الأول لعام 1977 حول حماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة، خصوصاً تجويع السكان المدنيين وترحيلهم ومحاولات تدمير وإتلاف ضرورات بقائهم وحياتهم فضلاً عن تراثهم وذاكرتهم وآثارهم وصروحهم العمرانية التي تشهد لحضاراتهم وتاريخهم. إن تجويع المدنيين بوصفه طريقة في الحرب عمل غير مشروع ولا يمكن تبريره قانونياً، ناهيك عن كونه لا إنسانياً ولا أخلاقياً ولا دينياً ولا تحت أي عنوان.

وخارج نطاق السياسة والانحيازات، فالموقف من الحصار ضد أي شعب وأياً كانت المبررات، لا يمكن تبرئته ، فليس هناك حجة يقبلها العقل البشري السوي تعطي للآخر "حق" قتل شعب أو مجموعة من السكان جوعاً، بل إن ذلك جريمة خطيرة، لأنه يمثل نوعاً من أنواع الإبادة الجماعية الشاملة، بما فيها علاقة الإنسان بحق الحياة والعيش بسلام وهو حق مقدس ويتقدّم على جميع الحقوق.

إن استمرار العقوبات والحصار ضد الشعب السوري يعني استمرار تشريع القسوة وتقنين الوحشية، في عالم يزعم فيها المرتكبون والجناة أنهم يريدون مجتمعاً أكثر عدلاً وتسامحاً وإنسانية، وأختتم ذلك بمقترح لتشريع اتفاقية دولية لمنع معاقبة الشعوب وحصارها اقتصادياً، وهو ما كنت قد دعوت له قبل أكثر من ربع قرن من الزمان، لأنها تدخل في صميم مطالب البلدان النامية وشعوب وأمم وبلدان الجنوب الفقير وعالمنا العربي والإسلامي الأكثر تضرراً من الجميع من استمرار هذا الوضع.

لا يوجد صور مرفقة
   المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع   


باب المندب
بقلم: عادل عبد السلام

نكبة فلسطين.. ليست ذكرى فقط!
بقلم: صبحي غندور



اضغط هنا لقراءة كل مواضيع الكاتب الدكتور عبد الحسين شعبان |


تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي
Facebook
youtube

جميع الحقوق محفوظة
لموقع جامعة الأمة العربية
© 2013 - 2022
By N.Soft

حمل تطبيق الجامعة لأجهزة آندرويد
Back to Top

       كنعاني: أمريكا شريك أساسي في جرائم الكيان الصهيوني في غزة//الخارجية الإيرلندية: العالم في صدمة من مستوى اللاإنسانية داخل غزة//المالكي أمام العدل الدولية: الاحتلال الإسرائيلي يجب أن ينتهي والوقت حان لوضع حد لازدواجية المعايير//       أعرب خبراء في الأمم المتحدة عن قلقهم بشأن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي الجسيمة لحقوق الإنسان التي لا تزال تتعرض لها النساء والفتيات الفلسطينيات في قطاع غزة والضفة الغربية.//بعد تأمين شحنات الأسلحة اللازمة من إدارة بايدن.. “إسرائيل” تحضر لمجازر جديدة في رفح//الأونروا: المنظومة الإنسانية في غزة على وشك الانهيار//       طوفان الأقصى:وزارة الصحة الفلسطينية تطالب بضغط دولي على الاحتلال لإدخال الوقود والمساعدات لمستشفيات قطاع غزة//ملتقى تضامني بدمشق دعماً للشعب الفلسطيني بمواجهة عدوان وجرائم الاحتلال الصهيوني//107 شهداء و145 جريحاً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//       أخبار محلية:وزارة الدفاع في بيان اليوم: “تمكنت وحدات من قوات حرس الحدود في الجيش العربي السوري من مصادرة 445 كفاً من مادة الحشيش المخدر، إضافة إلى 120 ألف حبة كبتاغون في البادية السورية بالقرب من الحدود الأردنية”.//الأمانة السورية للتنمية تنظم جلسة بعنوان “دمج التراث الثقافي غير المادي في التعليم.. تجارب وآفاق جديدة” بمؤتمر اليونيسكو في الإمارات//       سماحة السيدنصر الله يبحث مع النخالة الأوضاع في غزة والضفة الغربية//       الصحة العالمية تعرب عن قلقها إزاء الاعتداءات الإسرائيلية على رفح وتدعو لوقف إطلاق النار//164 شهيداً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//الرئاسة الفلسطينية تطالب المجتمع الدولي وخاصة الإدارة الأمريكية بمنع الاحتلال من اجتياح رفح//المقاومة الفلسطينية: مجازر الاحتلال في رفح إمعان في حرب الإبادة الجماعية ومحاولات التهجير القسري//استشهاد أكثر من 100 فلسطيني بقصف طيران الاحتلال مدينة رفح//مظاهرات في مدن عدة حول العالم تنديداً بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة//برنامج الأغذية العالمي يحذر من عدم توفر طعام ومأوى لمعظم سكان غزة//الصيادون في غزة: الاحتلال دمر الميناء والمراكب وحرمنا رزقنا//       للشهر الرابع… استمرار معاناة أهالي الحسكة بتوقف محطة مياه علوك جراء اعتداءات الاحتلال التركي// طوفان الأقصى:لمقاومة الفلسطينية تستهدف بقذائف الهاون موقع قيادة لجيش العدو الصهيوني وسط مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة//       وزير الخارجية والمغتربين الدكتور فيصل المقداد يلتقي نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان والوفد المرافق في دمشق//جريح الوطن: تدريب دفعة جديدة من الجرحى على برامج قيادة الحاسب//       أخبار محلية:الرئيس الأسد يستقبل وزير الخارجية الإيراني ويبحث معه العلاقات الثنائية بين البلدين والتطورات في المنطقة//السيدة أسماء الأسد خلال زيارتها هيئة التميز والإبداع: الوصول لمنظومة كاملة للتعليم الإبداعي يكون عبر ترسيخ ثنائية العلم والمعرفة مع الهوية والانتماء//المقداد يلتقي وفداً برلمانياً ليبياً برئاسة يوسف إبراهيم العقوري//       دعا مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته الكاملة، لوقف العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.//عبد اللهيان: استمرار دعم واشنطن لكيان الاحتلال لن يجلب لها إلا الفشل//       الأونروا: الوضع الإنساني في رفح ميئوس منه//اشتية يدعو لتدخل دولي عاجل لمنع امتداد رقعة العدوان الإسرائيلي وجرائم الإبادة إلى مدينة رفح//دان مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل تصريحات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول مخطط التوغل البري في مدينة رفح جنوب قطاع غزة وتهجير الأهالي منها قسرياً.//المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات ومواقع العدو الإسرائيلي التجسسية على الحدود مع فلسطين المحتلة//