جامعة الأمة العربية
جامعة الأمة المقاومة

×

الصفحة الرئيسية التقارير والمقالات

العالم ما بعد الوباء - نظرية الانهيار التعافي والمواجهة | بقلم: بزيد جرجوس
العالم ما بعد الوباء - نظرية الانهيار التعافي والمواجهة



بقلم: بزيد جرجوس  
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب
07-04-2020 - 1095

إنه يكاد يكون من المنطقي جدا والعلمي، أن نأخذ بعين الاعتبار ذلك الاحتمال الذي يقول بأن ثمة طفرة ما طرأت على أحد أفراد عائلة كورونا (المكتشفة منذ عام١٩٦٠) من الحمات الراشحة، وتسببت بتطور نوعي في هذا الفرد، مكنه من الانتشار بسرعة كبيرة، حيث ازدادت قدرته على البقاء خارج الأجسام المضيفة التي يتكاثر فيها، وأيضا ازدادت ضراوته وقدرته على التأثير في الخلايا التنفسية داخل الرئتين، عند نسبة من المصابين به، مما يجعله خطرا على حياة هؤلاء، إذا لم يتمتعوا بالمقاومة اللازمة، ولم يحصلوا على الرعاية الصحية المناسبة، للصمود في مواجهته لبضعة أيام، تكون كفيلة بإنتاج أجهزتهم المناعية للأجسام المضادة، التي ستقوم بالقضاء على الفيروس، إذا كان الجسم بحالة صحية مقبولة.

لا يمكننا، وعلى ندرة تضافر تلك الاحتمالات، وصعوبة اجتماعها معا، أن ننفيها وننكر أنها واردة، لأننا نتحدث بخلفية علمية صرفة. ولكنه أيضا ومن باب الاجتهاد العلمي، ولأن العالم لا يعيش فقط في ظل قوانين علوم الصحة والطب والكيمياء والفيزياء، بل أيضا ضمن وسط من نظريات علوم الاجتماع والسياسة.. فإنه يسعنا أيضا أن نتطرأ لاحتمالات أخرى، وانطلاقا من الواقعية كنظرية رئيسة في السياسة، وكأسلوب عمل وحياة.

إن القوى المهيمنة على العالم "أحادي القطب"، والذي كان منذ عقد أو أكثر من الزمن، بدأ يعيش حالة يمكن تسميتها "أحادي القطب، شديد المرونة"، حيث بدأت تتراخى وتضعف قبضة القطب الواحد (الولايات المتحدة) مع تزايد قوة وسطوة وتواجد قوى أخرى كالصين وروسيا بالدرجة الأولى. هذا التراجع من جهة، مع التصاعد من جهة أخرى، والمُعَبَّر عنه بوضوح في الاقتصاد والعلوم والقدرات العسكرية، هو الذي دفع شكل النظام الدولي للتحول من الأحادية نحو مرونة هذه الأحادية عبر زيادة مشاركة القوى الجديدة في مشهديته أكثر وأكثر.. هذه المرحلة تكاد تكون محكومة في بنيتها أن تكون مؤقتة. فهي تدفع مكوناتها بصورة درامية إلى مزيد من التوتر، والاقتراب من التمشكل والصدام، وربما النزاع. النزاع المؤهل أيضا وبصورة موضوعية حتمية، للتطور إلى صراع وربما حرب.. حرب عالمية جديدة. فالخوف لدى القطب الأوحد، من تطور قوة الأطراف الدولية الأخرى، وتوجهها للشراكة معه سيدفعه للتصعيد محاولا إعادة عقارب ساعة الكوكب ولو قليلا إلى الوراء. فيما شغف وإصرار الطرف/الأطراف المقابلة، على متابعة المسيرة والوصول، وإحساسها بتغيير الموازين، واستشرافها لضعف القطب الأوحد، سيشجعها على إبداء المزيد من السعي، حتى وإن حمل شكل التصعيد، لإنجاز المهمة والتغيير.. فالدول واقعيا، لا تكتفي بمطلق القوة والسيادة، ولكن تسعى بشكل حثيث نحو المزيد منهما، نسبة إلى الآخرين، وبشكل مستمر.

بدأت معالم تطور الصدام، وتحوله إلى نزاع معلن، مع بداية العقد الحالي، ومشروع الفوضى الخلاقة الأميركي، الذي كانت طلائعه قد سبقت ذلك بقليل في دول شرق أوروبا، عند خاصرة روسيا الغربية، فيما عرف "بالثورات الملونة"، إضافة "لثورة الأرز" في لبنان، وهي محورية جدا لأنها ستعود وتثبت أنها كانت تشعل الفتيل الأول في الساحة المركزية للصراع، سوريا. وبينما تحولت معظم ساحات تلك "الفوضى الخلاقة" إلى معارك وحروب حقيقية كبيرة، من ليبيا إلى سوريا والعراق وأوكرانيا واليمن، كان ذلك يمثل بالفعل فصلا أولا من فصول الحرب العالمية الثالثة، حيث انقسم العالم شاقوليا، بين الشرق والغرب، في كل تلك الجبهات، التي أبدت المزيد من الترابط والرتابة في الاصطفاف، بين الولايات المتحدة و"حلفائها" من جهة، وبين روسيا والصين وحلفائهما من جهة أخرى.
كل ذلك، ومع عدم قدرة المعسكر الغربي على الحسم في أي من تلك المعارك المفتوحة، لا بل ومع ازدياد نسب الحسم في أغلبها، لصالح المعسكر الآخر، ومع استمرار النمو الاقتصادي في الشرق، وهو ما يمثل حجر الرحى في كل ذلك، مضافا إليه القفزات العظيمة في مجال التسليح والتكنلوجيا العسكرية الروسية، خلال السنوات الماضية.. أدى كما يبدو بالفعل إلى وقوف الطرفين على ضفتي خيار حتمي، بين المزيد من التصعيد ودخول حرب مباشرة، أو الجلوس إلى طاولة المفاوضات بكل ما وُضِعَ عليها من تنازلات.

هنا سنقدم رؤية غير تقليدية، لنتائج هذا التفاوض، كنظرية نسعى لإثباتها، تماما كما نقدمها للنقد والتفنيد. وهي بالمختصر أن الكبار وعلى وقع الحذر الشديد من الحرب المدمرة، لا بل عدم الرغبة الأكيد، في دخولها، وصلوا لاتفاق على تبريد المواجهة عالميا، وإعادة ترتيب الأوراق، وتوزيع الأدوار، مع ما يبدو من التسليم المتبادل والمتفق عليه، لاحتمالات تمدد بعض الأطراف على حساب أطراف أخرى، وكل حسب إمكاناته واجتهاداته خلال فترة التبريد. فإعادة توزيع الأدوار تتضمن وتنتج عن تعبير حقيقي لقدرات وكفاءة الأطراف، ونتاج عن مخزون القوة العلمية والمادية والمعنوية، الذي سيتمكنون بحسن الإدارة من استخدامه في هذه "المبارزة" المتفق عليها حتى لا تكون الحرب.
هنا لا يمكن الجزم في ماهية وباء كورونا من حيث النشأة، فهل هو مصنع أم مطور، أم جاء كنتاج طبيعي لعملية التطور والطفرات، كما وضحنا في السيناريو العلمي البحت أعلاه. ولكنه بإمكاننا التدليل على أنه يجري استخدامه كمحرك ودافع وسبب للدخول في عملية التبريد آنفة الذكر، عبر إشغال العالم به حصرا، وعبر دفع الكوكب لإيقاف الإنتاج والعلاقات المتبادلة بين الدول والمؤسسات والكيانات الصغيرة، وحتى بين الشركات والأفراد. هذا ما يبدو أنه مصنع "الأزمة الحل" حيث يكتفئ الاقتصاد المحلي والاقليمي والعالمي، فيما ينكفئ الجميع لمواجهة الوباء، ثم آثار الوباء وتداعياتها، ثم إلى محاولة الخروج مجددا إلى ساحة العمل والإنتاج والنمو.. الخ. في حالة ستشغل الجميع، وستحقق "انتعاشة التعافي بعد المرض" لأن الاقتصاد العالمي كله اليوم، يصاب بالمرض والإعياء والتعب، على خريطة ووصفة مواجهة الوباء المستجد.
أثناء هذه المرحلة، مرحلة المواجهة مع الوباء، سوف تتعثر الدول والكيانات والشركات، تماما كما مئات ملايين الأفراد، وفي كل مكان.. وهذا ما سيشكل فرصة للكبار والأقوياء، للاستثمار في تعثر الصغار، وربما وبالتأكيد بعض الكبار أيضا، وتحويل ذلك إلى ديون ومساعدات، وصفقات، ستصرف بشكل بيّن في ميزان توازع القوى الجديد، وستعرف على خريطة العالم السياسية الجديدة، كنقاط جذب وإشعاع، ونقاط تبعية وتهافت، غير تلك التي كانت سائدة لعقود، وكان يلزم حربا عالمية لإجراء التغييرات "العادلة" فيها، أو نموذج حرب منظمة ومدفوعة بقوة الإعلام والرعب، ضحاياها من الأفراد قلة مقارنة بالحروب، ولكن من الدول ورؤوس الأموال، والولاءات والتحالفات.. الكثير، الذي ربما يتقارب مع آثار الحروب الكبرى.

هذا لن يكون كل شيء، إذا توارد السؤال مبسطا لأذهان البعض.. فالتاريخ الذي لم ينتهي حسب وصفة فوكوياما، لن ينتهي أيضا على أنقاض الكورونا.
ولكنه وبرغم أنه قد يحمل نهايات كيانات عملاقة كالاتحاد الأوروبي، وقد يحمل المزيد من التصدع في بنية الولايات المتحدة المجتمعية والسياسية، سوف يدخلنا في مرحلة حرب باردة جديدة، بين الشرق والغرب، مع بعض التباينات على جانبي خط التماس الفاصل بين المعسكرين، فسوف تنتقل دول من هذا الجانب إلى ذاك، وسوف يبرز وارثو الكيانات القابلة للتصدع والتفكك، ويكونون أشد بأسا منها. فبريطانيا أو ألمانيا مثلا، لن تكونا بحال أسوأ عندما تنسحبان من أوروبا الموحدة، وكذلك الولايات الغنية بالنفط والتكنلوجيا والصناعة والإعلام في أميركا.

إن كل ذلك، لا يرجح سيناريو "الاستخدام السياسي الاستراتيجي" للوباء وحده، ولكن الكثير من المؤشرات السياسية والعالمية تودي إلى نفس المعنى. فالمبالغة بتصوير العدوى تبدو متفقا عليها، برغم أن أقل نسبة انتقال بين الأفراد من المروج لها، كانت ستؤدي إلى إصابة كل البشرية خلال فترة لا تصل ثلاثة أشهر، وهذا لم يحدث، لا بل لم يحدث ما هو أقل منه بسبعة آلاف مرة، مع وصول العدد لأقل من مليون إصابة خلال هذه الفترة. كما يقول أيضا وجود دول من المتربعة على قمة هرم أتمتة وتنظيم وإدارة الحياة العامة، كالسويد وسويسرا، والتي لا تطبق الوصفة المعلنة لمجابهة الوباء، والمختصرة بدعوة "البقاء في المنزل" لتشكل بالواقع فرضا لإغلاق أغلب القطاعات الانتاجية، وأيضا التعليمية والخدمية .. الخ، لتشكل شللا في الاقتصاد من مستوى الفرد والعائلة، ووصولا لمستوى الشركات والدول. كما ويطل إهمال المنظمة الدولية للأمر برمته، وعدم تعاطيها معه بنفس السخونة التي يعبر عنها بعض المسؤولون فيها، وخاصة في القطاعات الصحية، ليبدو حديثهم داعما لخطة الإغلاق أكثر مما هو ساعيا للعلاج.. فلماذا لم يجتمع مثلا مجلس الأمن ليقر وصفة وإجراءات معيارية دولية، يقدمها لدول العالم ويطالب بتنفيذها، كون الوباء كما يقال عنه يمثل خطر عالمي ليس فقط على السلم الدولي، ولكن على حياة ملايين البشر، وحياة المؤسسات والقطاعات الصحية والدول في هذا العالم!!
برغم كل ذلك، نجد أن الأفراد على مستوى العالم، كما الدول وخاصة النامية والمستضعفة، لا يملكون خيارا سوى تصديق السيناريو الذي دخل حيز التنفيذ، والانصياع لكل التدابير التي بدأت تجتاح الدول وكأنها الحقيقة الواحدة، أو المصير. فليس هناك ثمة من يستطيع تحمل مسؤولية حياة الناس، تماما كما مسؤولية مواجهة اتهامات التقصير والفشل واللامبالاة. لذلك فالجميع، على مستوى هذه الدول، سوف يصادق على الأمر، وسوف يجتهد في السير ضمن الأطر والخطط المرجحة، لمواجهة الوباء، كما لا يمكن نصحهم بغير ذلك.

 

لا يوجد صور مرفقة
   المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع   


برميل النفط ..مابين حماقة السعودية ودهاء بوتين :
بقلم: حيان نيّوف

خمسة خيارات للسياسة الأوروبية في سورية
بقلم: الدكتور ابراهيم علّوش



اضغط هنا لقراءة كل مواضيع الكاتب بزيد جرجوس |


تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي
Facebook
youtube

جميع الحقوق محفوظة
لموقع جامعة الأمة العربية
© 2013 - 2022
By N.Soft

حمل تطبيق الجامعة لأجهزة آندرويد
Back to Top

       كنعاني: أمريكا شريك أساسي في جرائم الكيان الصهيوني في غزة//الخارجية الإيرلندية: العالم في صدمة من مستوى اللاإنسانية داخل غزة//المالكي أمام العدل الدولية: الاحتلال الإسرائيلي يجب أن ينتهي والوقت حان لوضع حد لازدواجية المعايير//       أعرب خبراء في الأمم المتحدة عن قلقهم بشأن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي الجسيمة لحقوق الإنسان التي لا تزال تتعرض لها النساء والفتيات الفلسطينيات في قطاع غزة والضفة الغربية.//بعد تأمين شحنات الأسلحة اللازمة من إدارة بايدن.. “إسرائيل” تحضر لمجازر جديدة في رفح//الأونروا: المنظومة الإنسانية في غزة على وشك الانهيار//       طوفان الأقصى:وزارة الصحة الفلسطينية تطالب بضغط دولي على الاحتلال لإدخال الوقود والمساعدات لمستشفيات قطاع غزة//ملتقى تضامني بدمشق دعماً للشعب الفلسطيني بمواجهة عدوان وجرائم الاحتلال الصهيوني//107 شهداء و145 جريحاً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//       أخبار محلية:وزارة الدفاع في بيان اليوم: “تمكنت وحدات من قوات حرس الحدود في الجيش العربي السوري من مصادرة 445 كفاً من مادة الحشيش المخدر، إضافة إلى 120 ألف حبة كبتاغون في البادية السورية بالقرب من الحدود الأردنية”.//الأمانة السورية للتنمية تنظم جلسة بعنوان “دمج التراث الثقافي غير المادي في التعليم.. تجارب وآفاق جديدة” بمؤتمر اليونيسكو في الإمارات//       سماحة السيدنصر الله يبحث مع النخالة الأوضاع في غزة والضفة الغربية//       الصحة العالمية تعرب عن قلقها إزاء الاعتداءات الإسرائيلية على رفح وتدعو لوقف إطلاق النار//164 شهيداً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//الرئاسة الفلسطينية تطالب المجتمع الدولي وخاصة الإدارة الأمريكية بمنع الاحتلال من اجتياح رفح//المقاومة الفلسطينية: مجازر الاحتلال في رفح إمعان في حرب الإبادة الجماعية ومحاولات التهجير القسري//استشهاد أكثر من 100 فلسطيني بقصف طيران الاحتلال مدينة رفح//مظاهرات في مدن عدة حول العالم تنديداً بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة//برنامج الأغذية العالمي يحذر من عدم توفر طعام ومأوى لمعظم سكان غزة//الصيادون في غزة: الاحتلال دمر الميناء والمراكب وحرمنا رزقنا//       للشهر الرابع… استمرار معاناة أهالي الحسكة بتوقف محطة مياه علوك جراء اعتداءات الاحتلال التركي// طوفان الأقصى:لمقاومة الفلسطينية تستهدف بقذائف الهاون موقع قيادة لجيش العدو الصهيوني وسط مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة//       وزير الخارجية والمغتربين الدكتور فيصل المقداد يلتقي نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان والوفد المرافق في دمشق//جريح الوطن: تدريب دفعة جديدة من الجرحى على برامج قيادة الحاسب//       أخبار محلية:الرئيس الأسد يستقبل وزير الخارجية الإيراني ويبحث معه العلاقات الثنائية بين البلدين والتطورات في المنطقة//السيدة أسماء الأسد خلال زيارتها هيئة التميز والإبداع: الوصول لمنظومة كاملة للتعليم الإبداعي يكون عبر ترسيخ ثنائية العلم والمعرفة مع الهوية والانتماء//المقداد يلتقي وفداً برلمانياً ليبياً برئاسة يوسف إبراهيم العقوري//       دعا مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته الكاملة، لوقف العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.//عبد اللهيان: استمرار دعم واشنطن لكيان الاحتلال لن يجلب لها إلا الفشل//       الأونروا: الوضع الإنساني في رفح ميئوس منه//اشتية يدعو لتدخل دولي عاجل لمنع امتداد رقعة العدوان الإسرائيلي وجرائم الإبادة إلى مدينة رفح//دان مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل تصريحات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول مخطط التوغل البري في مدينة رفح جنوب قطاع غزة وتهجير الأهالي منها قسرياً.//المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات ومواقع العدو الإسرائيلي التجسسية على الحدود مع فلسطين المحتلة//