جامعة الأمة العربية
جامعة الأمة المقاومة

×

الصفحة الرئيسية التقارير والمقالات

الشغب المعرفي والنفاق الفكري | بقلم: الدكتور علي المؤمن
الشغب المعرفي والنفاق الفكري



بقلم: الدكتور علي المؤمن  
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب
17-02-2020 - 1136

 الحاجة الى الشغب المعرفي أساسية وضرورية لتحريك السكون الفكري الذي يساوي الموت. ولايعني السكون الفكري حالة استقرارٍ فكرية؛ لأن الإستقرار يعبر عن حالة إيجابية، وهو شبيه بالإطمئنان الفكري؛ بل لا يلغي الإستقرار الفكري  الحراك في إطاره. أي أن الحراك الفكري الإبداعي التجديدي ممكن في إطار الإستقرار، ولايتعارض مع حالة الإطمئنان. بينما يمثل السكون الفكري حالة سلبية خطيرة، فهو يعني توقف النمو المعرفي، والإصرار على استهلاك المعرفة الموروثة وإعادة تدويرها، برغم تراكم المتغيرات الزمانية وضغوطاتها الشاملة، والتي ينبغي أن يتبعها تحولاً معرفياً متسقاً، بل تحولاً استباقياُ غالباً.

أما الأخطر من السكون الفكري البسيط فهو السكون الفكري المركب، أي الجمود في إطار حالة إستقرار متخيّلة، سواء كان جموداً بدافع تخيّل وجود مصلحة عليا في الجمود، أو جموداً بدافع تخيّل حصول استقرار حقيقي؛ بينما هو استقرار زائف ومضر . و عند هذا اللون المركب من السكون الفكري يكمن تحديداً الموت المعرفي للأمم والشعوب.

 وللحيلولة دون الموت المعرفي الذي يتسبب في انهيار الأمم والشعوب وتراجعها قياساً بسرعة حركة الزمن؛ ينبغي كسر الصمت وتحطيم الجمود، وتحريك الراكد الفكري بطريقة ثورية. وهذه الحالة يمكن تسميتها ب ((الشغب المعرفي)).

ولتحديد مفهوم الشغب المعرفي المطلوب، ينبغي التأكيد على وجود منهجين متعارضين إيجابي وسلبي من الشغب المعرفي:

الأول: الشغب المعرفي الإيجابي المنتج، الذي يتمثل في إثارة الاسئلة المشاغبة غير المألوفة الجادة، وإن كانت بمنهجية صادمة حادة، وطرح فرضيات  غير نهائية، ثم استنتاجات مبدئية غير نمطية، بهدف استفزاز الساحة المعرفية، وإثارتها، ودفعها عنوة باتجاه الحراك السريع المركّز؛ سواء دفاعاً عن نفسها أو محاولةً لمعرفة ماهية الأسئلة واستنطاقها أو إعجاباً وتماهياً وانبهاراً.

 هذا الشغب الإيجابي يعني العبث المعرفي الهادف العميق، و الفوضى الفكرية المقصودة. ونقول هادفاً ومقصوداً؛ لأنه يدفع من يجد نفسه حاضراً في دائرة الشغب والعبث والفوضى، سواء كان حضوراً جغرافيّاَ أو حضوراً معرفيّاً؛ يدفعه نحو المراجعة والتفكير والتأمل والبحث والتحقيق، والتنافس المعرفي الوجودي الفكري، لإيجاد الإجابات والردود والتكييفات، وصولاً الى الإنتاج الإبداعي المعرفي الجديد، غير النمطي وغير التقليدي، والذي ينسجم مع متطلبات الزمان والمكان، ويستبق الوقائع.

وبالتالي فإن من يقوم بهذا الدور؛ إنما يدفع عن وجوده وفكره ومعتقده أعراض التقهقر و الإنحطاط و الموت.

٢- الشغب المعرفي السلبي غير المنتج، و هو الشغب الجدلي السوفسطائي، والحفر العشوائي، والأسئلة الإستعراضية الفارغة، و العبث المعرفي غير الهادف. هذا الشغب السلبي يشوش الأذهان والأفكار، ويمزق نسيج المجتمع، ويغيِّب بوصلته الفكرية والعقدية قسراً، ويجعله في حالة تيه على كل الصعد.

أي أن الشغب المعرفي السلبي الفوضوي العبثي، لا يحفز الفكر تحفيزاً إيجابياً، ولايدفع نحو التأمل والبحث والمراجعة والإنتاج الإبداعي؛ بل يدفع باتجاه المناكفات والصراعات والعناد والتفكير السلبي وتدوير الموضوعات الجدلية. وهو مايعني أن الشغب المعرفي السلبي يعجل من انحطاط الشعوب وموتها معرفياً.

و بالتالي فإن وجود المنهجين السلبي والإيجابي في معادلة الشغب الفكري؛ يؤكد أن الشغب الفكري سيف ذو حدين؛ فهو أما يساهم في إعادة الحياة للأمم ويرفعها، أو يساهم في تخلّفها دمارها. ولذلك ينبغي التأكيد على اشتراط الحكمة و الدقة الفائقة و التخصص ووعي متطلبات الزمان والمكان عند ممارسة الشغب الفكري.

و ينفتح الشغب المعرفي على كل أنواع المعرفة الإنسانية ومناهجها، بدءاً بالمعارف الدينية والإجتماعية والإنثروبولوجية، وانتهاءً بالمعارف العقلية والتجريبية والتطبيقية.

 إن النظريات الرفيعة والاختراعات العظيمة والاكتشافات الكبرى، بدأت غالباً بشغب معرفي إيجابي، ومغامرة ثورية معرفية هادفة، وحلم يقظة منظم. أي أنها ـ غالباً ـ ليست نتاجات عمل معرفي تقليدي نمطي؛ لأن الأعمال التقليدية تكون نتاجاتها تقليدية أيضاً، وإن كان بعضها نتاجاً مهماً. أما النتاجات الثورية الخالدة فهي بنت الشغب المعرفي الهادف.

ويمكن القول أن الأوساط الإسلامية، بغالبية توصيفاتها، تسيطر عليها حالة السكون المعرفي أو الشغب المعرفي السلبي غير المنتج. فهي ـ مثلاً ـ في خطاب النهضة والتنمية والحكم؛ أما أنها تحاول تجاوز مرجعية الدين وثوابته، في محاولة عبثية للتشبه بالخارجي المتفوق المهيمن، وإما تغلق أبواب القراءات والإجتهادات النهضوية التنموية، بدعوى التمسك بالثوابت.  لذلك؛ نرى ندرةً في الإنتاج الإبداعي في هذه الاوساط على كل الصعد، ووفرة في الصراعات والمناكفات والإستعراضات المعرفية السطحية.

ولاتوجد ثمة مرجعية مطلقة في الحراك المعرفي هنا، سوى النصوص المقدسة والقوانين التجريبية الثابتة. وهذا يعني أن الشغب المعرفي حتى في وجهه الإيجابي ينبغي أن لا يتجاوز المقدس والثابت الديني.

والحديث عن المرجعية المعيارية أو الإطار المصدري الذي يتحرك الشغب المعرفي في أجوائه، يقود الى الحديث عن الأهمية الوجودية الستراتيجية للمصدرية المعرفية، و لاسيما في مجالات الفلسفة الكونية والفكر  الإنساني والإجتماعي. فمما لاشك فيه أن جميع المذاهب الفكرية الأساسية في العالم لها مرجعية معيارية تمثل القواعد العامة التي يستند اليها المذهب و محدداته الفكرية و مصادر معرفته الحاكمة. لكن الملفت للنظر أن المذاهب والفلسفات الفكرية والإجتماعية الوضعية، وفي مقدمتها الليبرالية والديمقراطية والعقلانية، تمارس نفاقاً فكرياً ناعماً؛ فهي تزعم أنها متحررة من أية مرجعية معيارية، وتطالب أتباع الدين بالتحرر أيضاً من مرجعياتهم وثوابتهم ومصادرهم أسوة بها، واحتراماً لقدرات العقل البشري وضرورة إطلاقه دون أية قيود وقبليات. وفي الوقت نفسه فإن هذه المذاهب الوضعية التي تدعي أنها حرة وغير ايديولوجية في مساراتها النظرية ومخرجات حراكها؛ تخضع لأكثر المرجعيات المعيارية ضغطاً وتعسفاً؛ بل أن مرجعيات الليبرالية ـ مثلاً ـ في الفكر الاقتصادي والفكر السياسي و الفكر الاجتماعي، باتت آلهة مقدسة معصومة تفتك وتقمع وتقصي وتمارس أبشع صنوف الإرهاب ضد من يخالفها في الفكر والممارسة، برغم أنها أفكار بشرية. و هو أبشع ألوان النفاق الفكري والتناقض في البنى المؤسِسة، إذ تبقى مقولات حرية الفكر وديمقراطية الرأي التي تتبجح بها؛ مجرد ورقة توت تتستر بها؛ لكنها تسقط في كل اختبار.

أما الدين فإن مرجعيته المعيارية السماوية بديهية، ولولاها لما كان الدين ديناً، ولأصبح اسمه شيئا آخر.. كما حصل مع كثير من الانشقاقات عن الأصول الدينية، والتي تحولت بالتدريج الى مذاهب فكرية وضعية لاعلاقة لها بفلسفة الدين و معايير تعريفه. لذلك لا معنى للدين بدون مرجعية معيارية ثابتة، ولا صحة لمزاعم المذاهب الوضعية البشرية بأنها متحررة من كل أنواع المرجعيات المعيارية.

 بل أن المذاهب الوضعية نفسها، إذا تجاوزت مرجعياتها المعيارية؛ فإنها ستتبخر وجودياً. نعم هي متحررة في قراءة مصادرها وتفسيرها لهذه المصادر، وفي إصلاح فكرها وتجديده؛ لكنها ليست حرة في تجاوز مرجعياتها. وبالتالي يتكرس نفاق المذاهب الوضعية ومفكريها وساستها حين يطالبون أتباع الدين بالتحرر من مرجعيتهم وتجاوز ثوابتهم. ولكن في الوقت نفسه تتمسك تلك المذاهب بمرجعياتها وثوابتها، ومستعدة لشن أشرس الحروب الفكرية والدعائية ضد أية قراءة واجتهاد يتجاوزان الثوابت، وإن كان اجتهاداً من الداخل الفكري.

لا يوجد صور مرفقة
   المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع   


لماذا تريد تركياحشد جيشها في ادلب والضغط على روسيا ,
بقلم: الدكتورة هدى رزق

الغزو التركي لسوريا تنسيق بين ترامب وأردوغان وتواطؤ رئيس مجلس الأمن*
بقلم: *عدنان علامه*



اضغط هنا لقراءة كل مواضيع الكاتب الدكتور علي المؤمن |


تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي
Facebook
youtube

جميع الحقوق محفوظة
لموقع جامعة الأمة العربية
© 2013 - 2022
By N.Soft

حمل تطبيق الجامعة لأجهزة آندرويد
Back to Top

       كنعاني: أمريكا شريك أساسي في جرائم الكيان الصهيوني في غزة//الخارجية الإيرلندية: العالم في صدمة من مستوى اللاإنسانية داخل غزة//المالكي أمام العدل الدولية: الاحتلال الإسرائيلي يجب أن ينتهي والوقت حان لوضع حد لازدواجية المعايير//       أعرب خبراء في الأمم المتحدة عن قلقهم بشأن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي الجسيمة لحقوق الإنسان التي لا تزال تتعرض لها النساء والفتيات الفلسطينيات في قطاع غزة والضفة الغربية.//بعد تأمين شحنات الأسلحة اللازمة من إدارة بايدن.. “إسرائيل” تحضر لمجازر جديدة في رفح//الأونروا: المنظومة الإنسانية في غزة على وشك الانهيار//       طوفان الأقصى:وزارة الصحة الفلسطينية تطالب بضغط دولي على الاحتلال لإدخال الوقود والمساعدات لمستشفيات قطاع غزة//ملتقى تضامني بدمشق دعماً للشعب الفلسطيني بمواجهة عدوان وجرائم الاحتلال الصهيوني//107 شهداء و145 جريحاً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//       أخبار محلية:وزارة الدفاع في بيان اليوم: “تمكنت وحدات من قوات حرس الحدود في الجيش العربي السوري من مصادرة 445 كفاً من مادة الحشيش المخدر، إضافة إلى 120 ألف حبة كبتاغون في البادية السورية بالقرب من الحدود الأردنية”.//الأمانة السورية للتنمية تنظم جلسة بعنوان “دمج التراث الثقافي غير المادي في التعليم.. تجارب وآفاق جديدة” بمؤتمر اليونيسكو في الإمارات//       سماحة السيدنصر الله يبحث مع النخالة الأوضاع في غزة والضفة الغربية//       الصحة العالمية تعرب عن قلقها إزاء الاعتداءات الإسرائيلية على رفح وتدعو لوقف إطلاق النار//164 شهيداً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//الرئاسة الفلسطينية تطالب المجتمع الدولي وخاصة الإدارة الأمريكية بمنع الاحتلال من اجتياح رفح//المقاومة الفلسطينية: مجازر الاحتلال في رفح إمعان في حرب الإبادة الجماعية ومحاولات التهجير القسري//استشهاد أكثر من 100 فلسطيني بقصف طيران الاحتلال مدينة رفح//مظاهرات في مدن عدة حول العالم تنديداً بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة//برنامج الأغذية العالمي يحذر من عدم توفر طعام ومأوى لمعظم سكان غزة//الصيادون في غزة: الاحتلال دمر الميناء والمراكب وحرمنا رزقنا//       للشهر الرابع… استمرار معاناة أهالي الحسكة بتوقف محطة مياه علوك جراء اعتداءات الاحتلال التركي// طوفان الأقصى:لمقاومة الفلسطينية تستهدف بقذائف الهاون موقع قيادة لجيش العدو الصهيوني وسط مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة//       وزير الخارجية والمغتربين الدكتور فيصل المقداد يلتقي نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان والوفد المرافق في دمشق//جريح الوطن: تدريب دفعة جديدة من الجرحى على برامج قيادة الحاسب//       أخبار محلية:الرئيس الأسد يستقبل وزير الخارجية الإيراني ويبحث معه العلاقات الثنائية بين البلدين والتطورات في المنطقة//السيدة أسماء الأسد خلال زيارتها هيئة التميز والإبداع: الوصول لمنظومة كاملة للتعليم الإبداعي يكون عبر ترسيخ ثنائية العلم والمعرفة مع الهوية والانتماء//المقداد يلتقي وفداً برلمانياً ليبياً برئاسة يوسف إبراهيم العقوري//       دعا مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته الكاملة، لوقف العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.//عبد اللهيان: استمرار دعم واشنطن لكيان الاحتلال لن يجلب لها إلا الفشل//       الأونروا: الوضع الإنساني في رفح ميئوس منه//اشتية يدعو لتدخل دولي عاجل لمنع امتداد رقعة العدوان الإسرائيلي وجرائم الإبادة إلى مدينة رفح//دان مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل تصريحات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول مخطط التوغل البري في مدينة رفح جنوب قطاع غزة وتهجير الأهالي منها قسرياً.//المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات ومواقع العدو الإسرائيلي التجسسية على الحدود مع فلسطين المحتلة//