جامعة الأمة العربية
جامعة الأمة المقاومة

×

الصفحة الرئيسية التقارير والمقالات

خيارات الرد الايراني | بقلم: عدنان منصور
خيارات الرد الايراني



بقلم: عدنان منصور  
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب
17-12-2019 - 1046

في الفترة الأخيرة، ومع حلول موعد جرعة العقوبات الأميركية الجديدة ضد إيران، توقّفت وسائل عدة من الإعلام المرئي والمكتوب والإلكتروني في تحليلاتها أمام ما يمكن لطهران أن تفعله، كرد فعل على العقوبات الأحادية الجانب، التي لقيت دعماً من قبل دول حليفة لواشنطن، ومن مؤسسات وشركات وهيئات في العالم، لم تستطع – رغماً عنها – أن تفلت من مخالب الهيمنة والتهديد والاحتواء الأميركي، في ما لو خرجت عن طاعتها، ورفضت الالتزام بقراراتها وبالعقوبات المفروضة على إيران.

إزاء هذه العقوبات الأميركية، ركّزت وسائل إعلام مختلفة، على إمكانية واحتمال إغلاق طهران مضيق هرمز أمام الملاحة، وانسحاب إيران من الاتفاق النووي، وضرب القواعد العسكرية الأميركية المنتشرة في المنطقة، لا سيما في دول الخليج العربية، واستهداف القطع الحربية للأسطول الأميركي، ومنع تصدير النفط عبر المضيق، وتفجير الوضع بكامله عملاً بمقولة «عليَّ وعلى أعدائي».

في ظل هذه الظروف الحساسة والدقيقة جداً، ليس غريباً أن تتصرف القيادة الإيرانية بحكمة وروية، بعيداً عن أي انفعال وتهوّر، وهي تأخذ بالاعتبار، الاحتمالات كافة، وتأثيراتها وتداعياتها على الساحة الإيرانية، والمشرقية والإقليمية ككل. وبالتالي، فهي تعمل على استيعاب واحتواء العقوبات دون الانزلاق نحو المجهول، وإفشال خطط واشنطن وأهدافها، وإحباط سياساتها الرامية إلى خنق الثورة، بكل الوسائل المتاحة لها، سياسياً، واقتصادياً، ومالياً وإعلامياً، وتطويق حلفائها والحد من قدراتهم، والاعتماد على الطابور الخامس في الداخل المعادي للثورة الذي يتعاون ويتفاعل معها وينفذ خططها، بالإضافة إلى تحريك قوى إرهابية تضرب في الأطراف، تتلقى الدعم العسكري والمالي واللوجستي والإعلامي، من جهات دولية وإقليمية معادية للنظام الإيراني.

ما تبيّته واشنطن و»إسرائيل» وعملاؤها في المنطقة، تستوعبه وتعرفه جيداً القيادتان السياسية والعسكرية الإيرانية على السواء. لذلك فإن طهران التي تدرك أبعاد المرحلة المقبلة وخطورتها ومحاذيرها، لن تلجأ إلى سياسة متهوّرة يريدها العدو منها، لتكون ذريعة له في ما بعد للانقضاض عليها. فأيّ قرار متسرع، لن يخدم إيران، ولا حلفاءها في المنطقة والعالم. لذلك تتعاطى طهران بهدوء كامل وبأعصاب فولاذية، تعبّر عن تماسك ووعي وقوة القيادة السياسية والعسكرية، وهي تواجه وضعاً صعباً، لا بد من مواجهته والتصدي له، من خلال سياسات داخلية فاعلة تطبّق على الأرض، مع حرصها الشديد على تجنّب قرارات تتناول مسائل حساسة أهمها:

1 – إن أي قرار يقضي بإغلاق مضيق هرمز من جانب إيران: سيكون بمثابة إعلان حرب، لن تقبل به واشنطن ولا حلفاؤها وأصدقاؤها. وهو أمر يذكّرنا بقرار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذي قضى بإغلاق مضيق تيران أمام الملاحة الإسرائيلية. قرار كان ذريعة للعدو الإسرائيلي، لشنّ حرب يوم 5 حزيران 1967 بمعرفة مسبقة وبدعم أميركي مكشوف. إن إغلاق مضيق هرمز من قِبَل إيران، تنتظره واشنطن و»إسرائيل» وحلفاؤها بفارغ الصبر. إذ ستجد اميركا فيه، فرصتها الذهبية للانقضاض على إيران، واستخدام القوة العسكرية ضدها، مدعومة بتأييد دولي حولها، جراء قرار كهذا الذي سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل دراماتيكي، وإحداث بلبلة في السوق العالمية، حيث ستتضرّر منها دول عديدة في العالم، ستجد نفسها بجانب واشنطن التي ستستغل الفرصة، وتحمّل مسؤولية القرار لطهران، وتؤلّب دول العالم من خلال حملة شعواء على القيادة الإيرانية، تحمّلها تبعات تصرفها وتداعيات قرارها.

2 – ليس بالأمر السهل:أن تتخذ طهران قراراً بالانسحاب من الاتفاق النووي الموقّع منها ومن المجموعة 5 + 1. هذا القرار مستبعَد، إذ إن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، كشف عن نياتها السلبية، وشكّل ضربة قوية للاتفاق، وأحرج الدول الأوروبية ألمانيا وفرنسا وبريطانيا الموقعة عليه، والتي رفضت الانسحاب منه، وأعربت عن التقيّد به والالتزام بمضمونه. كما أن الانسحاب من الاتفاق زعزع الثقة بالولايات المتحدة، ووضع صدقيتها ونزاهتها على المحك، وأثبت عدم احترامها للمواثيق والاتفاقات.

إن التزام طهران بالاتفاق النووي، رغم انسحاب واشنطن منه، يعزّز من صدقية إيران وتجاوبها الصادق مع الاتفاقيات، ويقوّي ويدعم موقعها في العالم، ويجنّبها التشكيك ببرنامجها النووي السلمي، ويُفشل بالتالي الحملات الأميركية المغرضة التي تشنها الإدارة الأميركية ورئيسها دونالد ترامب عليها. لذلك، فإن أي انسحاب لإيران من الاتفاق النووي، سيُضعف موقفها، ويضعها أعداؤها على الفور، في دائرة الاتهام. كما سيتيح للعديد من دول الاتحاد الأوروبي ودول العالم، التي تتعرض لضغوط أميركية للالتزام بالعقوبات المفروضة على طهران، والتي سبق لها أن اعترضت عليها، ستجد متنفساً لها، ومبرراً للسير في ركاب واشنطن، والوقوف إلى جانبها ودعمها للعقوبات. لذلك، فإن التزام طهران بالاتفاق النووي يبيّن صدقيتها، ويدعم حججها، ويكشف النيات الحقيقية للجميع أمام المجتمع الدولي.

3 – ليس في نية إيران، شن حرب في المنطقة،: أو أن تكون البادئة بها. لكن اللجوء إليها سيكون فقط من باب الدفاع عن النفس. فمنذ قيام الثورة وحتى اليوم، لم يكن سلوك القيادة الإيرانية يتجه أو يلجأ للحرب أو لأي عملية عسكرية ضد دولة ما، باستثناء الحرب المفروضة عليها عام 1980 – 1988. وإيران تعلم جيداً أن الحرب إذا ما اندلعت، ستكون مدمّرة، وستكلف الجميع الثمن الباهظ. وهذا ما تدركه أيضاً الأطراف كلها. فليس من أحد بمنأى عن تداعيات الحرب، ولا عن نتائجها الكارثية، لا سيما بالنسبة لحلفاء واشنطن في المنطقة.

4 – إيران التي استطاعت أن تتعامل مع العقوبات الأميركية والأمنية وجدت آليات كثيرة في السابق: لتمتصّ جزءاً مهماً من مفاعيلها، دون أن تحقق واشنطن غاياتها الكاملة، بحيث إن طهران ظلّت متماسكة، وتنفذ خططها التنموية الخمسية، وتحقق إنجازات باهرة في مختلف الميادين، وبالذات في المجال الصناعي والعلمي والتكنولوجي والعسكري، شهد لها الأعداء قبل الأصدقاء. لذلك فإن مواجهة إيران للعقوبات لن تكون عن طريق استخدام القوة العسكرية، أو استفزاز العالم عن طريق التنصّل من الاتفاقات الدولية الموقّعة عليها. وإذا كانت إيران لا تريد اللجوء إلى استخدام القوة، فإنها أيضاً لن تخضع للتهويل والتهديد العسكري مهما كان. طهران بتصديها للعقوبات تعمل على كشف نيات واشنطن المعادية لها، وضم المزيد من الدول الصديقة إلى جانبها، وحثّها على عدم السير في عقوبات أميركا، وإفهام العالم أنها تلتزم بالاتفاق النووي، وتحترمه وتطبقه بكل دقة. وإن ما تروّجه واشنطن في العالم عن إيران بأنها تشكّل تهديداً للاستقرار والأمن في المنطقة، ليس إلا من نسج الولايات المتحدة، وأكاذيب حليفتها «إسرائيل»، وعملائها في المنطقة، حيث تعرف واشنطن كيف تتعامل معهم، بابتزازهم وبنهب أموالهم، واحتقارهم وإهانة كرامتهم والاستخفاف بهم وبمناصبهم وتمريغ أنوفهم في الوحل.

5 – تبقى أمام الولايات المتحدة وحلفائها: العقوبات الاقتصادية والمالية لتفرضها على إيران بغية شلّ اقتصادها، وخنق قدراتها، وكذلك الرهان على الداخل الإيراني، ليكون حصان طروادة لواشنطن وعملائها، يمكّن الولايات المتحدة من انتزاع تراجع إيراني قسري يتم بالطرق السلمية، ويجنّبها استخدام القوة العسكرية المحفوفة بالمخاطر.

إن الحرب الاقتصادية والمالية التي تقودها واشنطن بكل شراسة ضد إيران، تحتّم على هذه الأخيرة تحصين الجبهة الداخلية التي تعوّل كثيراً الولايات المتحدة على تفكيكها، من خلال ما يحيكه أعداؤها في الداخل والخارج من مؤامرات تستهدف أمنها القومي واستقرارها الداخلي، وسلمها الأهلي، ونسيجها الوطني، ووحدة شعبها، وجرّها إلى مواقع متفجرة تستفزها، وتستدرجها إلى مواقف وقرارات متهوّرة غير محسوبة النتائج.

لقد أثبتت القيادة السياسية الإيرانية على مدى العقود الأربعة للثورة، أنها متحسّبة دائماً لكل الاحتمالات، وأن تعاطيها مع الأحداث والتطوّرات والأزمات، ينبع من مسؤولية قومية عالية، ومن إدراك عميق لما يجري على الساحة الدولية، وبالذات على الساحة المشرقية، وفهم واسع يحيط بالأوضاع والمتغيرات والتحالفات التي تشهدها المنطقة، وصبر إيماني لا حدود له وهي تواجه العقوبات تلو العقوبات.

إن إدراك الشعب الإيراني ووعيه لحقيقة ما يجري من قِبَل قوى الهيمنة والتسلّط ضد بلده، يجعله يقف بكل قوة وراء قيادته السياسية وقواته المسلحة من جيش وحرس ثوري، مهما كلّفه ذلك من تضحيات، لأنه يعرف أن تعاطي الولايات المتحدة حياله اليوم لن يكون أفضل من تعاطي بريطانيا معه بالأمس، التي أمعنت في إهانة ونهب واستغلال الشعب الإيراني لعقود طويلة. فلا فرق بالنسبة للإيرانيين بين بريطانيا الأمس والولايات المتحدة اليوم، فكلاهما وجهان لعملة مزيفة.

أمام إيران خيار واحد من اثنين: إما الركوع والخضوع، وإما الصمود. وهي اختارت بمرشدها وقيادتها وشعبها وجيشها الصمود، واثقة من نفسها بكسر العقوبات بكل ثقة وعزم.

 

لا يوجد صور مرفقة
   المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع   


موجز عن الإدارة اليابانية
بقلم: جامعة الأمة العربية

ليبية في سياق الفوضى العربية
بقلم: إدريسي هاني



اضغط هنا لقراءة كل مواضيع الكاتب عدنان منصور |


تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي
Facebook
youtube

جميع الحقوق محفوظة
لموقع جامعة الأمة العربية
© 2013 - 2022
By N.Soft

حمل تطبيق الجامعة لأجهزة آندرويد
Back to Top

       كنعاني: أمريكا شريك أساسي في جرائم الكيان الصهيوني في غزة//الخارجية الإيرلندية: العالم في صدمة من مستوى اللاإنسانية داخل غزة//المالكي أمام العدل الدولية: الاحتلال الإسرائيلي يجب أن ينتهي والوقت حان لوضع حد لازدواجية المعايير//       أعرب خبراء في الأمم المتحدة عن قلقهم بشأن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي الجسيمة لحقوق الإنسان التي لا تزال تتعرض لها النساء والفتيات الفلسطينيات في قطاع غزة والضفة الغربية.//بعد تأمين شحنات الأسلحة اللازمة من إدارة بايدن.. “إسرائيل” تحضر لمجازر جديدة في رفح//الأونروا: المنظومة الإنسانية في غزة على وشك الانهيار//       طوفان الأقصى:وزارة الصحة الفلسطينية تطالب بضغط دولي على الاحتلال لإدخال الوقود والمساعدات لمستشفيات قطاع غزة//ملتقى تضامني بدمشق دعماً للشعب الفلسطيني بمواجهة عدوان وجرائم الاحتلال الصهيوني//107 شهداء و145 جريحاً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//       أخبار محلية:وزارة الدفاع في بيان اليوم: “تمكنت وحدات من قوات حرس الحدود في الجيش العربي السوري من مصادرة 445 كفاً من مادة الحشيش المخدر، إضافة إلى 120 ألف حبة كبتاغون في البادية السورية بالقرب من الحدود الأردنية”.//الأمانة السورية للتنمية تنظم جلسة بعنوان “دمج التراث الثقافي غير المادي في التعليم.. تجارب وآفاق جديدة” بمؤتمر اليونيسكو في الإمارات//       سماحة السيدنصر الله يبحث مع النخالة الأوضاع في غزة والضفة الغربية//       الصحة العالمية تعرب عن قلقها إزاء الاعتداءات الإسرائيلية على رفح وتدعو لوقف إطلاق النار//164 شهيداً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//الرئاسة الفلسطينية تطالب المجتمع الدولي وخاصة الإدارة الأمريكية بمنع الاحتلال من اجتياح رفح//المقاومة الفلسطينية: مجازر الاحتلال في رفح إمعان في حرب الإبادة الجماعية ومحاولات التهجير القسري//استشهاد أكثر من 100 فلسطيني بقصف طيران الاحتلال مدينة رفح//مظاهرات في مدن عدة حول العالم تنديداً بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة//برنامج الأغذية العالمي يحذر من عدم توفر طعام ومأوى لمعظم سكان غزة//الصيادون في غزة: الاحتلال دمر الميناء والمراكب وحرمنا رزقنا//       للشهر الرابع… استمرار معاناة أهالي الحسكة بتوقف محطة مياه علوك جراء اعتداءات الاحتلال التركي// طوفان الأقصى:لمقاومة الفلسطينية تستهدف بقذائف الهاون موقع قيادة لجيش العدو الصهيوني وسط مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة//       وزير الخارجية والمغتربين الدكتور فيصل المقداد يلتقي نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان والوفد المرافق في دمشق//جريح الوطن: تدريب دفعة جديدة من الجرحى على برامج قيادة الحاسب//       أخبار محلية:الرئيس الأسد يستقبل وزير الخارجية الإيراني ويبحث معه العلاقات الثنائية بين البلدين والتطورات في المنطقة//السيدة أسماء الأسد خلال زيارتها هيئة التميز والإبداع: الوصول لمنظومة كاملة للتعليم الإبداعي يكون عبر ترسيخ ثنائية العلم والمعرفة مع الهوية والانتماء//المقداد يلتقي وفداً برلمانياً ليبياً برئاسة يوسف إبراهيم العقوري//       دعا مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته الكاملة، لوقف العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.//عبد اللهيان: استمرار دعم واشنطن لكيان الاحتلال لن يجلب لها إلا الفشل//       الأونروا: الوضع الإنساني في رفح ميئوس منه//اشتية يدعو لتدخل دولي عاجل لمنع امتداد رقعة العدوان الإسرائيلي وجرائم الإبادة إلى مدينة رفح//دان مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل تصريحات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول مخطط التوغل البري في مدينة رفح جنوب قطاع غزة وتهجير الأهالي منها قسرياً.//المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات ومواقع العدو الإسرائيلي التجسسية على الحدود مع فلسطين المحتلة//